كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)

فَلَكِ وَاحِدَةٌ، فَمَا الَّذِي تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي أَجْمَلَ امْرَأَةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَدَعَا اللَّهَ، فَجَعَلَهَا أَجْمَلَ امْرَأَةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنْ (1) لَيْسَ فِيهِمْ مِثْلُهَا رَغِبَتْ عَنْهُ، وَأَرَادَتْ شَيْئًا آخَرَ، فَدَعَا اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَهَا كَلْبَةً، فَصَارَتْ كَلْبَةً، فَذَهَبَتْ دَعْوَتَانِ. فَجَاءَ بَنُوهَا فَقَالُوا: لَيْسَ بِنَا عَلَى هَذَا قَرَارٌ، قَدْ صَارَتْ أُمُّنَا كَلْبَةً يُعَيِّرُنَا النَّاسُ بِهَا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا، فَدَعَا اللَّهَ، فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ، فَذَهَبْتِ الدَّعْوَاتُ الثَّلَاثُ، وَسُمِّيَتِ الْبَسُوسُ. (2) غَرِيبٌ.
وَأَمَّا الْمَشْهُورُ فِي سَبَبٍ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي زَمَنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ، يُقَالُ لَهُ: "بَلْعَامُ" (3) وَكَانَ يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَكْبَرَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ: كَانَ [رَجُلًا] (4) مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَلَا يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
وَأَغْرَبَ، بَلْ أَبْعَدَ، بَلْ أَخْطَأَ مَنْ قَالَ: كَانَ قَدْ (5) أُوتِيَ النُّبُوَّةَ فَانْسَلَخَ مِنْهَا. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ بَعْضِهِمْ، وَلَا يَصِحُّ (6)
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: لما نزل مُوسَى بِهِمْ -يَعْنِي بِالْجَبَّارِينَ -وَمَنْ مَعَهُ، أَتَاهُ يَعْنِي بَلْعَامُ (7) -أَتَاهُ بَنُو عَمِّهِ وَقَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّ مُوسَى رَجُلٌ حَدِيدٌ، وَمَعَهُ جُنُودٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ إِنْ يَظْهَرْ عَلَيْنَا يُهْلِكْنَا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَنَّا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ. قَالَ: إِنِّي إِنْ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، ذَهَبَتْ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي. فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ، فَسَلَخَهُ اللَّهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ [مِنَ الْغَاوِينَ] } (8)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا انْقَضَّتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً الَّتِي قَالَ اللَّهُ: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الْمَائِدَةِ:26] بَعَثَ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ نَبِيًّا، فَدَعَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ [قَدْ] (9) أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْجَبَّارِينَ، فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ. وَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: "بَلْعَمُ" وَكَانَ عَالَمًا، يَعْلَمُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ الْمَكْتُومَ، فَكَفَرَ -لَعَنَهُ اللَّهُ -وَأَتَى الْجَبَّارِينَ وَقَالَ لَهُمْ: لَا تَرْهَبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنِّي إِذَا خَرَجْتُمْ تُقَاتِلُونَهُمُ أَدْعُوَا عَلَيْهِمْ دَعْوَةً فَيَهْلِكُونَ! وَكَانَ عِنْدَهُمْ فِيمَا شَاءَ مِنَ الدُّنْيَا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ النِّسَاءَ، يُعَظِّمُهُنَّ (10) فَكَانَ يَنْكِحُ أَتَانًا لَهُ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تعالى (11) {فَانْسَلَخَ مِنْهَا}
__________
(1) في أ: "أنه".
(2) ورواه أبو الشيخ في تفسيره كما في الدر المنثور (3/608) .
(3) في د، ك، م، أ: "بلعم".
(4) زيادة من أ.
(5) في أ: "من قال أنه".
(6) تفسير الطبري (13/259) .
(7) في د، ك، م، أ: "بلعم".
(8) زيادة من د، ك، م، أ. وفي هـ: "الآية".
(9) زيادة من د، أ.
(10) في أ: "لعظمهن".
(11) في أ: "الله عز وجل".

الصفحة 508