كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ بِهِ نَحْوَ هَذَا (1) وُفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَة، عَنْ عُثْمَانَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً (2) وَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ.
وَاحْتَجَّ مَنِ اسْتَحَبَّ تَكْرَارَ مَسْحِ الرَّأْسِ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَد، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَرْدَان، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي حُمْرَانُ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ. (3) فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ، قَالَ فِيهِ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ هَكَذَا وَقَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ دُونَ هَذَا كَفَاهُ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ (4) ثُمَّ قَالَ: وَأَحَادِيثُ عُثْمَانَ الصِّحَاحُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَسَحَ الرَّأْسَ مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَقَوْلُهُ: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قُرئ: {وَأَرْجُلَكُمْ} بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وُهَيْب، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكَرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَرَأَهَا: {وَأَرْجُلَكُمْ} يَقُولُ: رَجَعَتْ إِلَى الْغَسْلِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وعُرْوَة، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالضِّحَاكِ، والسُّدِّي، ومُقاتل بْنِ حَيَّانَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، نَحْوُ ذَلِكَ.
وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ، كَمَا قَالَهُ السَّلَفُ، وَمِنْ هَاهُنَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ (5) كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطِ التَّرْتِيبَ، بَلْ لَوْ غَسَلَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ وَجْهَهُ أَجَزْأَهُ ذَلِكَ؛ لَأَنَّ الْآيَةَ أَمَرَتْ بِغَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، وَ"الْوَاوُ" لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ. وَقَدْ سَلَكَ الْجُمْهُورُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْبَحْثِ طُرُقًا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْوَجْهِ ابْتِدَاءً عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِلتَّرْتِيبِ، وَلَمْ يُقِلْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِوُجُوبِ غَسْلِ الْوَجْهِ أَوَّلًا ثُمَّ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَعْدَهُ، بَلِ الْقَائِلُ اثْنَانِ، أَحَدُهُمَا: يُوجِبُ التَّرْتِيبَ، كَمَا هُوَ وَاقِعٌ فِي الْآيَةِ. وَالْآخَرُ يَقُولُ: لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ مُطْلَقًا، وَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْوَجْهِ ابْتِدَاءً، فَوَجَبَ (6) التَّرْتِيبُ فِيمَا بَعْدَهُ بِالْإِجْمَاعِ، حَيْثُ لَا فَارِقَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنْ "الْوَاوَ" لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، بَلْ هِيَ دَالَّةٌ -كَمَا هُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنَ النُّحَاةِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ وَبَعْضِ الْفُقَهَاءِ. ثُمَّ نَقُولُ (7) -بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ كَوْنِهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الترتيب اللغوي-: هي
__________
(1) صحيح البخاري برقم (159) وصحيح مسلم برقم (226) .
(2) سنن أبي داود برقم (108) .
(3) في أ: "يتوضأ".
(4) سنن أبي داود برقم (107) .
(5) في أ: "الترتيب في الوضوء".
(6) في أ: "فيجب".
(7) في أ: "يقول".
الصفحة 51