كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)

هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا. فَلَمَّا نَزَلْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَنَظَرْتُ إِلَى أَسْفَلَ مِنِّي، فَإِذَا أَنَا برَهج وَدُخَانٍ وَأَصْوَاتٍ (1) فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّيَاطِينُ (2) يُحَرِّفون عَلَى أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ أَنْ لَا يَتَفَكَّرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَوُا الْعَجَائِبَ".
عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنُ جُدْعَانَ لَهُ مُنْكَرَاتٌ (3) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) }
يَقُولُ تَعَالَى: مَنْ كُتِب عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَإِنَّهُ لَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ، وَلَوْ نَظَرَ لِنَفْسِهِ فِيمَا نَظَرَ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزَى (4) عَنْهُ شَيْئًا، {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الْمَائِدَةِ:41] قَالَ تَعَالَى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يُونُسَ:101]
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) }
يَقُولُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} [الْأَحْزَابِ:63] قِيلَ: نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ. وَقِيلَ: فِي نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ. وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَكَانُوا يَسْأَلُونَ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ، اسْتِبْعَادًا لِوُقُوعِهَا، وَتَكْذِيبًا بِوُجُودِهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ:38] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [الشُّورَى:18]
وَقَوْلُهُ: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "مُنْتَهَاهَا" أَيْ: مَتَى مَحَّطُهَا؟ وَأَيَّانَ آخَرُ مُدَّةِ الدُّنْيَا الَّذِي هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ السَّاعَةِ؟
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} أَمَرَ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُئِلَ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ، أَنْ يرُدَّ عِلْمَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا، أَيْ: يَعْلَمُ جَلِيَّةَ أَمْرِهَا، وَمَتَى يَكُونُ عَلَى التَّحْدِيدِ، [أَيْ] (5) لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ [أَحَدٌ] (6) إِلَّا هُوَ تَعَالَى؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} قَالَ: ثَقُلَ عِلْمُهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا جَاءَتْ، ثَقُلَتْ عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَقُولُ: كَبُرَت عليهم.
__________
(1) في م: "وأصوات عالية".
(2) في أ: "هذه أصوات الشياطين".
(3) المسند (2/353) .
(4) في م، ك: "لا يجدى".
(5) زيادة من م.
(6) زيادة من أ.

الصفحة 518