كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَر المِنْقَريّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْران، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قَالَ: هُوَ الْمَسْحُ. ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (1) وَعَلْقَمَةَ، وَأَبِي جَعْفَرٍ، [وَ] (2) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ -فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ-وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمُجَاهِدٍ -فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ-نَحْوُهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، قَالَ: رَأَيْتُ عِكْرِمَةَ يَمْسَحُ عَلَى رِجْلَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ يَقُولُهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْمَسْحِ. ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَلَّا تَرَى أَنَّ "التَّيَمُّمَ" أنْ يَمْسَحَ مَا كَانَ غَسْلًا وَيُلْغِيَ (3) مَا كَانَ مَسْحًا؟
وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرْنَا إِسْمَاعِيلُ، قُلْتُ لِعَامِرٍ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ؟ فَقَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْمَسْحِ.
فَهَذِهِ آثَارٌ غَرِيبَةٌ جِدًّا، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْحِ هُوَ الْغَسْلُ الْخَفِيفُ، لِمَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ (4) فِي وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. وَإِنَّمَا جَاءَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ بِالْخَفْضِ إِمَّا عَلَى الْمُجَاوَرَةِ وَتَنَاسُبِ الْكَلَامِ، كَمَا فِي قَوْلِ الْعَرَبِ: "جُحْرُ ضَب خربٍ"، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} [الْإِنْسَانِ: 21] وَهَذَا سَائِغٌ ذَائِعٌ، فِي لُغَةِ الْعَرَبِ شَائِعٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَسْحِ الْقَدَمَيْنِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِمَا الْخُفَّانِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ دَالَّةٌ عَلَى مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْغَسْلُ الْخَفِيفُ، كَمَا وَرَدَتْ (5) بِهِ السُّنَّةُ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْوَاجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَرْضًا، لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ (6) الَّتِي سَنُورِدُهَا.
وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ يُطْلَقُ عَلَى الْغَسْلِ الْخَفِيفِ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، حَيْثُ قَالَ: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَة، سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَة يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي رَحَبَة الْكُوفَةِ حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَةً وَاحِدَةً، فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَرَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ (7) فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا، وإن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] (8) صَنَعَ مَا صنعتُ. وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ ".
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ آدَمَ، بِبَعْضِ مَعْنَاهُ. (9)
وَمَنْ أَوْجَبَ (10) مِنَ الشِّيعَةِ مَسْحَهُمَا كَمَا يَمْسَحُ الْخُفَّ، فَقَدْ ضَلَّ وَأَضَلَّ. وكذا من جوز مسحهما
__________
(1) في أ: "معمر".
(2) زيادة من ر.
(3) في أ: "ويكفي".
(4) في أ: "الثانية".
(5) في أ: "ورد".
(6) في ر: "وللأحاديث".
(7) في ر: "فشرب منه".
(8) زيادة من ر، أ.
(9) السنن الكبرى (1/75) وصحيح البخاري برقم (5616)
(10) في ر: "أحب".

الصفحة 53