كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)

رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)
وقال التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ". وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَا يَقْرَأُ مِنْ وَرَاءِ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ، تَكْفِيهِمْ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْهُمْ صَوْتَهُ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ فِيمَا لَا يُجْهَرُ بِهِ سِرًّا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَلَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ خَلْفَهُ أَنْ يَقْرَأَ مَعَهُ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
قُلْتُ: هَذَا مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ قِرَاءَةٌ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ لَا الْفَاتِحَةُ وَلَا غَيْرُهَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الْقَدِيمُ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ قِرَاءَةٌ أَصْلًا فِي السِّرِّيَّةِ وَلَا الْجَهْرِيَّةِ، لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: "مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ". وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَهُوَ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٌ عَنْ وَهَبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا، وَهَذَا أَصَحُّ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (2) وَقَدْ أَفْرَدَ لَهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ مُصَنَّفًا عَلَى حِدَةٍ (3) وَاخْتَارَ وُجُوبَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي السَّرِيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} يَعْنِي: فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا حُمَيْد بْنُ مَسْعَدة، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزَ قَالَ: رَأَيْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَتَحَدَّثَانِ، وَالْقَاصُّ يَقُصُّ، فَقُلْتُ: أَلَا تَسْتَمِعَانِ إِلَى الذِّكْرِ وَتَسْتَوْجِبَانِ الْمَوْعُودَ؟ قَالَ: فَنَظَرَا إِلَيَّ، ثُمَّ أَقْبَلَا عَلَى حَدِيثِهِمَا. قَالَ: فَأَعَدْتُ (4) فَنَظَرَا إِلَيَّ، وَأَقْبَلَا (5) عَلَى حَدِيثِهِمَا. قَالَ: فَأَعَدْتُ الثَّالِثَةَ، قَالَ: فَنَظَرَا إِلَيَّ فَقَالَا إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} قَالَ: فِي الصَّلَاةِ. وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا بَأْسَ إِذَا قَرَأَ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم.
__________
(1) المسند (2/301) وسنن أبي داود برقم (826) وسنن الترمذي برقم (312) وسنن النسائي (2/140) وسنن ابن ماجة برقم (848) .
(2) انظر الكلام مبسوطا في: مقدمة سورة الفاتحة.
(3) سماه "جزء القراءة خلف الإمام" مطبوع في مؤسسة الرسالة ببيروت.
(4) في أ: "فأعدت الكلام".
(5) في أ: "ثم أقبلا".

الصفحة 537