كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)
أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيط بْنِ صَبرةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ: فَقَالَ: "أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وخَلِّل بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا". (1)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي (2) حَدَّثَنَا عِكْرِمة بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ (3) قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: حَدَّثَنَا عَمْرو بْنُ عَبَسَةَ (4) قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ. قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَقْرَبُ وُضُوءُهُ، ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَيَنْتَثِرُ (5) إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَاهُ مِنْ فَمِهِ وَخَيَاشِيمِهِ مَعَ الْمَاءِ حِينَ يَنْتَثِرُ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ (6) اللَّهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَنَامِلِهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا قَدَمَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرُو، انْظُرْ مَا تَقُولُ، سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَيُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ كُلَّهُ فِي مَقَامِهِ؟ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَبْسة (7) يَا أَبَا أُمَامَةَ، لَقَدْ كَبُرَتْ سنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ (8) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَ] (9) لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، لَقَدْ سَمِعْتُهُ [مِنْهُ] (10) سَبْعَ مَرَّاتٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. (11)
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَفِيهِ: "ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ". فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ يَأْمُرُ بِالْغَسْلِ.
وَهَكَذَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعي، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: اغْسِلُوا الْقَدَمَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أُمِرْتُمْ.
وَمِنْ هَاهُنَا يَتَّضِحُ لَكَ الْمُرَادُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَش عَلَى قَدَمَيْهِ الْمَاءَ وَهُمَا فِي النَّعْلَيْنِ فَدَلَّكَهُمَا. إِنَّمَا أَرَادَ غَسْلًا خَفِيفًا وَهُمَا فِي النَّعْلَيْنِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إِيجَادِ الْغَسْلِ والرِجل فِي نَعْلِهَا، وَلَكِنْ فِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْمُتَعَمِّقِينَ وَالْمُتَنَطِّعِينَ مِنَ الْمُوَسْوِسِينَ. وَهَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَتِهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبَاطةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ (12) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ بِأَنَّ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظَ رَوَوْهُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: فَبَالَ قَائِمًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.
قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يكون في رجليه خفان، وعليهما نعلان.
__________
(1) سنن أبي داود برقم (142) وسنن الترمذي برقم (788) وسنن النسائي (1/66) وسنن ابن ماجة برقم (448) .
(2) في أ: "المقبري".
(3) في أ: "حدثنا شداد بن عبد الله الدمشقي قالا".
(4) في أ: "عنبسة".
(5) في أ: "ويستنثر".
(6) في ر: "أمر".
(7) في أ: "عنبسة".
(8) في أ: "رسوله".
(9) زيادة من أ.
(10) زيادة من أ.
(11) المسند (4/112) .
(12) تفسير الطبري (10/75) .
الصفحة 57