كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)

إِلَيْهَا، وَبِقِتَالِ أَعْدَائِهِمْ، وبَشَّرهم بِالنُّصْرَةِ وَالظَّفْرِ عَلَيْهِمْ، فَنَكَلُوا وعَصوْا وَخَالَفُوا أَمْرَهُ، فَعُوقِبُوا بِالذَّهَابِ فِي التِّيهِ وَالتَّمَادِي فِي سَيْرِهِمْ حَائِرِينَ، لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يَتَوَجَّهُونَ فِيهِ إِلَى مَقْصِدٍ، مُدّة أَرْبَعِينَ سَنَةً، عُقُوبَةٌ لَهُمْ عَلَى تَفْرِيطِهِمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ [تَعَالَى] (1) فَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} أَيِ: الْمُطَهَّرَةَ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {ادْخُلُوا الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} قَالَ: هِيَ الطُّورُ وَمَا حَوْلَهُ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْبَقَّالِ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هِيَ أَرِيحَا. وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ.
وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَرِيحَا لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودُ (2) بِالْفَتْحِ، وَلَا كَانَتْ فِي طَرِيقِهِمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَدْ قَدِمُوا مِنْ بِلَادِ مِصْرَ، حِينَ أَهْلَكَ اللَّهُ عَدُوَّهُمْ فِرْعَوْنَ، [اللَّهُمَّ] (3) إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِأَرِيحَا أَرْضَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، كَمَا قَالَهُ -السَّدِّيُّ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ-لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هَذِهِ الْبَلْدَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي طَرَفِ الغَوْر شَرْقِيَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} أَيِ: الَّتِي وَعَدَكُمُوهَا اللَّهُ عَلَى لِسَانِ أَبِيكُمْ إِسْرَائِيلَ: أَنَّهُ وِرَاثَةُ (4) مَنْ آمَنَ مِنْكُمْ. {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ} أَيْ: وَلَا تَنْكِلُوا عَنِ الْجِهَادِ {فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} (5) أَيِ: اعْتَذَرُوا بِأَنَّ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ -الَّتِي أَمَرْتَنَا بِدُخُولِهَا وَقِتَالِ أَهْلِهَا-قَوْمًا جَبَّارِينَ، أَيْ: ذَوِي خلَقٍ هَائِلَةٍ، وَقُوًى شَدِيدَةٍ، وَإِنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى مُقَاوَمَتِهِمْ وَلَا مُصَاولتهم، وَلَا يُمْكِنُنَا الدُّخُولُ إِلَيْهَا مَا دَامُوا فِيهَا، فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا دَخَلْنَاهَا (6) وَإِلَّا فَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّار، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ (7) قَالَ عِكْرَمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أمرَ مُوسَى أَنْ يَدْخُلَ مَدِينَةَ الْجَبَّارِينَ. قَالَ: فَسَارَ مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ -وَهِيَ أَرِيحَا-فَبَعَثَ إِلَيْهِمُ اثْنَيْ عَشَرَ عَيْنًا، مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْهُمْ عَيْنٌ، لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ. قَالَ: فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا مِنْ هَيْئَتِهِمْ وجُثَثهم (8) وعِظَمِهم، فَدَخَلُوا حَائِطًا لِبَعْضِهِمْ، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لِيَجْتَنِيَ الثِّمَارَ مَنْ حَائِطِهِ، فَجَعَلَ يَجْتَنِي الثِّمَارَ. وَيَنْظُرُ (9) إِلَى آثَارِهِمْ، فَتَتَبَّعَهُمْ (10) فَكُلَّمَا (11) أَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ مَعَ الْفَاكِهَةِ، حتى التقت الِاثْنَيْ عَشَرَ كُلَّهُمْ، فَجَعَلَهُمْ فِي كُمِّهِ مَعَ الْفَاكِهَةِ، وَذَهَبَ (12) إِلَى مَلِكِهِمْ فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: قَدْ رَأَيْتُمْ شَأْنَنَا وَأَمْرَنَا، فَاذْهَبُوا فَأَخْبِرُوا صَاحِبَكُمْ. قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى، فأخبروه بما عاينوا من أمرهم.
__________
(1) زيادة من أ.
(2) في أ: "المقصودة".
(3) زيادة من ر، أ.
(4) في أ: "ورثه".
(5) في ر: "وإنا لن ندخلها ما داموا فيها" وهو خطأ.
(6) في أ: "منها فإنا داخلون".
(7) في ر: "أبو سعد".
(8) في د، ر، أ: "وجسمهم.".
(9) في ر، أ: "فنظر".
(10) في أ: "فتبعهم".
(11) في ر: "فلما".
(12) في ر: "فذهب"، وفي أ: "ثم ذهب".

الصفحة 75