كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)
ذَلِكَ أَنْ يُقَامَ فِيهِ الْحَدُّ الَّذِي أَصَابَهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا} قَالَ: كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ، فَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، فخيَّر اللَّهُ رَسُولَهُ: إِنْ شَاءَ أَنْ يَقْتُلَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ تُقْطَعَ (1) أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَاف، عَنْ مُصْعَب بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْحَرُورِيَّةِ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا} رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنِ ارْتَكَبَ هَذِهِ الصِّفَاتِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (2) مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلابة -وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الجَرْمي الْبَصْرِيُّ-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْل ثَمَانِيَةً، قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ (3) وسَقَمت أَجْسَامُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَلَّا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إِبِلِهِ فَتُصِيبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا؟ " فَقَالُوا: بَلَى. فَخَرَجُوا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَصَحُّوا (4) فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَطَرَدُوا الْإِبِلَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فأُدْرِكُوا، فَجِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ، وسُمرت (5) أَعْيُنُهُمْ، ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا.
لَفْظُ مُسْلِمٍ. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَة"، وَفِي لَفْظٍ: "وَأُلْقُوا فِي الحَرَّة فَجَعَلُوا يَسْتَسْقُون (6) فَلَا يُسْقَون. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "وَلَمْ يَحْسمْهم". وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ: قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: فَهَؤُلَاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْم، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيب وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَعِنْدَهُ: "وَارْتَدُّوا". وَقَدْ أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، بِنَحْوِهِ. وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: "مِنْ عُكْلٍ وعُرَينة". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ؛ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفرٌ مِنْ عُرَينة، فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوهُ، وَقَدْ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ المُومُ -وَهُوَ البرْسام-ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ، وَزَادَ: وَعِنْدَهُ شَبَابٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ فَارِسًا فَأَرْسَلَهُمْ، وَبَعَثَ مَعَهُمْ قَائِفًا يَقْتَصّ (7) أَثَرَهُمْ. وَهَذِهِ كُلُّهَا أَلْفَاظُ مُسْلِمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ. (8)
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ وَثَابِتٌ البنَاني وحُمَيْد الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَينة قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فاجْتَوَوْها، فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا، فصَحُّوا فَارْتَدُّوا (9) عَنِ الْإِسْلَامِ، وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَسَاقُوا الْإِبِلَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) في ر: "يقطع".
(2) صحيح البخاري (233) وانظر أطرافه هناك، وصحيح مسلم برقم (1671) .
(3) في أ: "المدينة".
(4) في ر: "فنصحوا".
(5) في ر: "وسملت".
(6) في أ: "فيستقون".
(7) في ر: "يقص".
(8) صحيح مسلم برقم (1671) .
(9) في أ: "وارتدوا".
الصفحة 95