كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 4)
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ رَجُلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إِلَّا جُعِلَ (1) يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ يُكْوَى (2) بِهَا جَنْبُهُ وَجَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ" وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ (3)
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَيْن، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بالرَّبَذة، فَقُلْتُ: مَا أَنْزَلَكَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ، قَالَ (4) كُنَّا بِالشَّامِ، فَقَرَأْتُ: {وَالَّذِينَ يَكْنزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذِهِ فِينَا (5) مَا هَذِهِ إِلَّا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ (6)
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْثَرِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَذَكَرَهُ وَزَادَ: فَارْتَفَعَ فِي ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْقَوْلُ، فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إليَّ عُثْمَانُ أَنْ أُقْبِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ رَكِبَنِي (7) النَّاسُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي: تَنَحَّ قَرِيبًا. قُلْتُ: وَاللَّهِ لَنْ أَدَعَ مَا كُنْتُ أَقُولُ (8)
قُلْتُ: كَانَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَحْرِيمُ ادِّخَارِ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْعِيَالِ، وَكَانَ يُفْتِي [النَّاسَ] (9) بِذَلِكَ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَيُغْلِظُ فِي خِلَافِهِ، فَنَهَاهُ مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَنْتَهِ، فَخَشِيَ أَنَّ يَضُرَّ بِالنَّاسِ فِي هَذَا، فَكَتَبَ يَشْكُوهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، وَأَنْ يَأْخُذَهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَقْدَمَهُ عُثْمَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَنْزَلَهُ بِالرَّبَذَةِ وَحْدَهُ، وَبِهَا مَاتَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ. وَقَدِ اخْتَبَرَهُ مُعَاوِيَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (10) وَهُوَ عِنْدُهُ، هَلْ يُوَافِقُ عَمَلُهُ قَوْلَهُ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَفَرَّقَهَا مِنْ يَوْمِهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا فَقَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَى غَيْرِكَ فَأَخْطَأْتُ، فَهَاتِ الذَّهَبَ! فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّهَا خَرَجَتْ، وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ مَالِي حَاسَبْنَاكَ (11) بِهِ.
وَهَكَذَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا عَامَّةٌ:
وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ.
وَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مَلأ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الْجَسَدِ، أَخْشَنُ الْوَجْهِ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ برَضْف يُحْمَى عَلَيْهِ فِي
__________
(1) في د: "جعل له".
(2) في ت: "فتكوى"، وفي د، أ: "فيكوى".
(3) صحيح مسلم برقم (987) .
(4) في ت، د، ك، أ: "فقال".
(5) في ت، د، ك: "ما هذا".
(6) صحيح البخاري برقم (4660) .
(7) في ت: "ولقيني".
(8) تفسير الطبري (14/227) .
(9) زيادة من أ.
(10) زيادة من أ: "عنهما".
(11) في ت، أ: "حاسبناه".
الصفحة 142