كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 4)

فَنَاوَلَهُ حَصَبًا (1) عَلَيْهِ تُرَابٌ، فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، فَلَمْ يَبْقَ مُشْرِكٌ إِلَّا دَخَلَ فِي عَيْنَيْهِ مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ شَيْءٌ، ثُمَّ رَدِفَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ (2) يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْس وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِي قَالَا لَمَّا دَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ، فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، وَقَالَ: "شَاهَتِ الْوُجُوهُ". فَدَخَلَتْ فِي أَعْيُنِهِمْ كُلِّهِمْ، وَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (3) يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ، وَكَانَتْ هَزِيمَتُهُمْ فِي رَمْية رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] (4) {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} قَالَ: هَذَا يَوْمُ بَدْرٍ، أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِحَصَاةٍ [فِي] (5) مَيْمَنَةِ الْقَوْمِ، وَحَصَاةٍ فِي مَيْسَرَةِ الْقَوْمِ، وَحَصَاةٍ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَقَالَ: "شَاهَتِ الْوُجُوهُ"، فَانْهَزَمُوا.
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ (6) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، وقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَمْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَة، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، سَمِعْنَا صَوْتًا وَقَعَ مِنَ السَّمَاءِ، كَأَنَّهُ صَوْتُ حَصَاةٍ وَقَعَتْ فِي طَسْتٍ، وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الرَّمْيَةَ، فَانْهَزَمْنَا (7)
غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَهَاهُنَا قَوْلَانِ آخَرَانِ غَرِيبَانِ جِدًّا.
أَحَدُهُمَا: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ بِخَيْبَرَ، دَعَا بِقَوْسٍ، فَأَتَى بِقَوْسٍ طَوِيلَةٍ، وَقَالَ: "جيئوني غيرها". فجاؤوا بِقَوْسٍ كَبْدَاءَ، فَرَمَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِصْنَ، فَأَقْبَلَ السَّهْمُ يَهْوِي حَتَّى قَتَلَ ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ، وَهُوَ فِي فِرَاشِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (8)
وَهَذَا غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْآيَةَ تَعُمُّ هَذَا كُلَّهُ، وَإِلَّا فَسِيَاقُ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ لَا مَحَالَةَ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى أَئِمَّةِ العلم، والله أعلم.
__________
(1) في م: "حصباء".
(2) في م: "المسلمون".
(3) زيادة من م، ك، أ.
(4) زيادة من م.
(5) في ك، م، أ: "فرمى في".
(6) انظر: تفسير الطبري (13/443 - 445) .
(7) تفسير الطبري (13/443) .
(8) سقط هذا الأثر والذي يليه من نص الطبري وأثبته المحقق في الهامش (13/446) .

الصفحة 31