كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 4)
مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْبَاطِلِ، {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} أَيْ: بِنَافِعِكُمْ وَمُنْقِذِكُمْ وَمُخَلِّصِكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} أَيْ: بِنَافِعِيَّ بِإِنْقَاذِي مِمَّا أَنَا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ بِسَبَبِ مَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَقُولُ: إِنِّي جَحَدْتُ أَنْ أَكُونَ شَرِيكًا لله، عز وجل.
وهذا الذي قال هُوَ الرَّاجِحُ (1) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الْأَحْقَافِ: 5، 6] ، وَقَالَ: {كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مَرْيَمَ: 82] .
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الظَّالِمِينَ} أَيْ: فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
وَالظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ: أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ تَكُونُ مِنْ إِبْلِيسَ بَعْدَ دُخُولِهِمُ النَّارَ، كَمَا قَدَّمْنَا. وَلَكِنْ قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ -وَهَذَا لَفْظُهُ -وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ: حَدَّثَنِي دُخَيْنٌ (2) الحَجْري، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ، فَفَرَغَ مِنَ الْقَضَاءِ، قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: قَدْ قَضَى بَيْنَنَا رَبُّنَا، فَمَنْ يَشْفَعُ لَنَا؟ فَيَقُولُونَ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ -وَذَكَرَ نُوحًا، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى -فَيَقُولُ عِيسَى: أَدُلُّكُمْ عَلَى النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ. فَيَأْتُونِي، فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي أَنْ أَقُومَ إِلَيْهِ فَيَثُورُ (3) [مِنْ] (4) مَجْلِسِي مِنْ أَطْيَبِ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ قَطُّ، حَتَّى آتِيَ رَبِّي فَيُشَفِّعَنِي، وَيَجْعَلَ لِي نُورًا مِنْ شَعَرِ رَأْسِي إِلَى ظُفْرِ قَدَمِي، ثُمَّ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا: قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ، فَمَنْ يَشْفَعُ لَنَا؟ مَا هُوَ إِلَّا إِبْلِيسُ هُوَ الَّذِي أَضَلَّنَا، فَيَأْتُونَ إِبْلِيسَ فَيَقُولُونَ: قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ، فَقُمْ أَنْتَ فَاشْفَعْ لَنَا، فَإِنَّكَ أَنْتَ أَضْلَلْتَنَا. فَيَقُومُ فَيَثُورُ مِنْ مَجْلِسِهِ مِنْ أَنْتَنِ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ قَطُّ، ثُمَّ يَعْظُمُ نَحِيبُهُمْ (5) {وَقَالَ (6) الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} (7) .
وَهَذَا سِيَاقُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ رِشْدين بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أنْعُمٍ، عَنْ دُخَيْن (8) عَنْ عُقْبَة، به مرفوعا (9) .
__________
(1) في أ: "الأرجح".
(2) في ت، أ: "دجين".
(3) في ت، أ: "فيفور".
(4) زيادة من ت، أ، والطبري.
(5) في ت، أ: "بجهنم".
(6) في ت، أ: "ويقول" وهو خطأ.
(7) تفسير الطبري (16/562) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (17/320) من طريق ابن وهب: أخبرني ابن نعيم (كذا في المعجم) عن دخين، عن عقبة مرفوعا. وقال الهيثمي في المجمع (10/376) : "فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهو ضعيف" وضعف السيوطي إسناده أيضا.
(8) في أ: "دجين".
(9) ورواه الطبري في تفسيره (16/562) من طريق سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ بِهِ.
الصفحة 490