كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 4)

هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ -وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ فَفَرَّج بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى، نَصبَها بَعْضَهَا (1) فَوْقَ بَعْضٍ -فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمي بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فيحرقَه، وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ [حَتَّى] (2) يَرْمي بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ، [إِلَى الَّذِي] (3) هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الْأَرْضِ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْأَرْضِ فَتُلْقَى (4) عَلَى فَمِ السَّاحِرِ -أَوِ: الْكَاهِنِ -فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ (5) فَيَقُولُونَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا؟ لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ" (6)
ثُمَّ ذَكَرَ، تَعَالَى، خَلْقَهُ الْأَرْضَ، وَمَدَّهُ إِيَّاهَا وَتَوْسِيعَهَا وَبَسْطَهَا، وَمَا جَعَلَ فِيهَا مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي، وَالْأَوْدِيَةِ وَالْأَرَاضِي وَالرِّمَالِ، وَمَا أَنْبَتَ فِيهَا مِنَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ الْمُتَنَاسِبَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} أَيْ: مَعْلُومٍ. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيبة (7) وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَقَتَادَةُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مُقَدَّرٌ بِقَدَرٍ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُوزَن (8) وَيُقَدَّرُ بِقَدَرٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَا تَزِنُهُ [أَهْلُ] (9) الْأَسْوَاقِ.
وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} يَذْكُرُ، تَعَالَى، أَنَّهُ صَرَفَهُمْ فِي الْأَرْضِ فِي صُنُوفٍ [مِنَ] (10) الْأَسْبَابِ وَالْمَعَايِشِ، وَهِيَ جَمْعُ مَعِيشَةٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِيَ الدَّوَابُّ وَالْأَنْعَامُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هُمُ الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ وَالدَّوَابُّ وَالْأَنْعَامُ.
وَالْقَصْدُ أَنَّهُ، تَعَالَى، يَمْتَنُّ (11) عَلَيْهِمْ بِمَا يَسَّرَ لَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الْمَكَاسِبِ وَوُجُوهِ الْأَسْبَابِ وَصُنُوفِ الْمَعَايِشِ، وَبِمَا سَخَّرَ لَهُمْ مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِي يَرْكَبُونَهَا وَالْأَنْعَامِ الَّتِي يَأْكُلُونَهَا، وَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ الَّتِي يَسْتَخْدِمُونَهَا، ورزْقهم عَلَى خَالِقِهِمْ لَا عَلَيْهِمْ فَلَهُمْ هُمُ الْمَنْفَعَةُ، وَالرِّزْقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
[وَقَوْلُهُ] (12) {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) }
يُخْبِرُ، تَعَالَى، أَنَّهُ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ سَهْلٌ عليه، يسير لديه، وأن (13) عنده خزائن
__________
(1) في أ: "بعضا".
(2) زيادة من ت، أ، والبخاري.
(3) زيادة من ت، أ، والبخاري.
(4) في ت، أ: "فيلقى".
(5) في ت، أ: "كذبة فيصدق".
(6) صحيح البخاري برقم (4701) .
(7) في أ: "موزون".
(8) في أ: "موزون".
(9) زيادة من ت، أ.
(10) زيادة من أ.
(11) في ت: "يمتن تعالى".
(12) زيادة من أ.
(13) في ت، أ: "وأنه".

الصفحة 529