كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 4)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ السَّبْعُ الطُوَل. وَيُقَالُ: هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ.
وَقَالَ خَصِيف، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} قَالَ: أَعْطَيْتُكَ سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ: آمُرُ، وَأَنْهَى، وَأُبَشِّرُ (1) وَأُنْذِرُ، وَأَضْرِبُ الْأَمْثَالَ، وَأُعَدِّدُ النِّعَمَ، وَأُنَبِّئُكَ بِنَبَأِ (2) الْقُرْآنِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا الْفَاتِحَةُ، وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ. رُوي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْبَسْمَلَةُ هِيَ (3) الْآيَةُ السَّابِعَةُ، وَقَدْ خَصَّكُمُ اللَّهُ بِهَا. وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْر، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وشَهْر بْنُ حَوْشَب، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمُجَاهِدٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُنَّ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَأَنَّهُنَّ يُثْنَيْنَ (4) فِي كُلِّ قِرَاءَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ.
وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَاحْتَجَّ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا فِي فَضَائِلِ سُورَةِ "الْفَاتِحَةِ" فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، هَاهُنَا حَدِيثَيْنَ:
أَحَدُهُمَا: قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: مَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُصَلِّي، فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: "مَا (5) مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي (6) ؟ ". فَقُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ: "أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الْأَنْفَالِ: 24] أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ؟ " فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْرُجَ، فَذَكَّرْتُهُ (7) فَقَالَ: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْفَاتِحَةِ: 2] هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ" (8)
[وَ] (9) الثَّانِي: قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ: السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ" (10)
فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْفَاتِحَةَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، وَلَكِنْ لَا يُنَافِي (11) وَصْفَ غَيْرِهَا مِنَ السَّبْعِ الطُّوَل بِذَلِكَ، لِمَا فِيهَا مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ، كَمَا لَا يُنَافِي وَصْفَ الْقُرْآنِ بِكَمَالِهِ بِذَلِكَ أَيْضًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزُّمَرِ: 23] فَهُوَ مَثَانِي مِنْ وَجْهٍ، وَمُتَشَابِهٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ
أَيْضًا، كَمَا أَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ (12) لَمَّا سُئل عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَأَشَارَ إِلَى مَسْجِدِهِ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي مَسْجِدِ قُباء، فَلَا تنافي، فإن (13) ذكر الشيء لا ينفي (14)
__________
(1) في أ: "وبشر".
(2) في أ: "نبأ".
(3) في أ: "على".
(4) في ت: "يتبين" وفي أ: "تثنى".
(5) في أ: "ماذا".
(6) في ت، أ: "تأتي".
(7) في ت، أ: "فذكرت".
(8) صحيح البخاري برقم (4703) .
(9) زيادة من أ.
(10) صحيح البخاري برقم (4704) .
(11) في ت: "لا تنافي".
(12) في أ: "صلى الله عليه وسلم".
(13) في ت: "لأن".
(14) في ت: "ينافي".
الصفحة 547