كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 4)
هَذَا خَبَرٌ عَنِ السُّعَدَاءِ، بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الْأَشْقِيَاءِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ قِيلَ لَهُمْ: {مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ} فَقَالُوا مُعْرِضِينَ عَنِ الْجَوَابِ: لَمْ (1) يُنْزِلْ شَيْئًا، إِنَّمَا هَذَا (2) أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وَهَؤُلَاءِ {قَالُوا خَيْرًا} أَيْ: أَنْزَلَ خَيْرًا، أَيْ: رَحْمَةً وَبِرْكَةً وَحُسْنًا لِمَنِ اتَّبَعَهُ وَآمَنَ بِهِ.
ثُمَّ أَخْبَرُوا عَمَّا وَعَدَ اللَّهُ [بِهِ] (3) عِبَادَهُ فِيمَا أَنْزَلَهُ عَلَى رُسُلِهِ فَقَالُوا: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النَّحْلِ: 97] ، أَيْ: مَنْ أَحْسَنَ عَمَلَهُ فِي الدُّنْيَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ بِأَنَّ دَارَ الْآخِرَةِ خَيْرٌ، أَيْ: مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالْجَزَاءُ فِيهَا أَتَمُّ مِنَ الْجَزَاءِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ} [الْقَصَصِ: 80] (4) وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ} [آلِ عِمْرَانَ: 198] وَقَالَ تَعَالَى {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الْأَعْلَى: 17] ، وَقَالَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5) : {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى} [الضُّحَى: 4] .
ثُمَّ وَصَفُوا الدَّارَ الْآخِرَةَ فَقَالُوا (6) : {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}
وَقَوْلُهُ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} بَدَلٌ مِنْ [قَوْلِهِ] (7) : {دَارُ الْمُتَّقِينَ} أَيْ: لَهُمْ فِي [الدَّارِ] (8) الْآخِرَةِ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} أَيْ: إِقَامَةٌ (9) يَدْخُلُونَهَا {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أَيْ: بَيْنَ أَشْجَارِهَا وَقُصُورِهَا، {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ (10) الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزُّخْرُفِ: 71] ، وَفِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ السَّحَابَةَ لَتَمُرُّ بِالْمَلَأِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى شَرَابِهِمْ (11) ، فَلَا يَشْتَهِي أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا إِلَّا أَمْطَرَتْهُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ لَمَنْ يَقُولُ: أَمْطِرِينَا كواعب أترابًا، فيكون ذلك (12) " (13) .
{َ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} أَيْ: كَذَلِكَ (14) يَجْزِي اللَّهُ كُلَّ مَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّقَاهُ وَأَحْسَنَ عَمَلَهُ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِهِمْ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، أَنَّهُمْ (15) طَيِّبُونَ، أَيْ: مُخَلَّصُونَ مِنَ الشِّرْكِ والدنس
__________
(1) في أ: "أي: لم".
(2) في أ: "هو".
(3) زيادة من ت، أ.
(4) في ت، ف، أ: "وقال الذين أوتوا العلم والإيمان" وهو خطأ.
(5) في ت، أ: "صلوات الله عليه وسلامه"، وفي ف: "صلوات الله عليه".
(6) في ت، ف، أ: "ثم وصف الدار الآخرة فقال".
(7) زيادة من أ.
(8) زيادة من ف، أ.
(9) في أ: "مقامة".
(10) في ت، أ: "تشتهي" وهو خطأ.
(11) في أ: "سرائرهم".
(12) في ف: "كذلك".
(13) رواه ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ أبي أمامة رضي الله عنه، وسيأتي بإسناده عند تفسير الآية: 33 من سورة النبأ.
(14) في ف، أ: "هكذا".
(15) في ت، ف، أ: "وهم".
الصفحة 568