كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 4)
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) }
يُبَيِّنُ تَعَالَى تَفْصِيلَ مَا شَرَعَهُ مُخَصَّصًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الشَّرِيفَةِ، مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، مِنْ إِحْلَالِ الْمَغَانِمِ. وَ"الْغَنِيمَةُ": هِيَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنَ الْكُفَّارِ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ. وَ"الْفَيْءُ": مَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، كَالْأَمْوَالِ الَّتِي يُصَالَحُونَ عَلَيْهَا، أَوْ يُتَوَفَّوْنَ عَنْهَا وَلَا وَارِثَ لَهُمْ، وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. هَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي طَائِفَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ (1) وَالْخَلَفِ.
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُطْلِقُ الْفَيْءَ عَلَى مَا تُطْلَقُ (2) عَلَيْهِ الْغَنِيمَةُ، وَالْغَنِيمَةُ عَلَى الْفَيْءِ أَيْضًا؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ قَتَادَةُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ "الْحَشْرِ": {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ [الْحَشْرِ: 7] ، قَالَ: فَنَسَخَتْ آيَةُ "الْأَنْفَالِ" تِلْكَ، وَجَعَلَتِ الْغَنَائِمَ: أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا (3) لِلْمُجَاهِدِينَ، وَخُمُسًا مِنْهَا لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْر، وَتِلْكَ نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِير، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي قَاطِبَةً أَنَّ بَنِي النَّضِيرِ بَعْدَ بَدْرٍ، هَذَا أَمْرٌ لَا يُشَكُّ فِيهِ وَلَا يُرْتَابُ، فَمَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَعْنَى الْفَيْءَ وَالْغَنِيمَةِ يَقُولُ: تِلْكَ نَزَلَتْ فِي أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَهَذِهِ فِي الْمَغَانِمِ. وَمَنْ يَجْعَلُ أَمْرَ الْمَغَانِمِ وَالْفَيْءِ رَاجِعًا (4) إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ يَقُولُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ آيَةِ الْحَشْرِ وَبَيْنَ التَّخْمِيسِ إِذَا رَآهُ الْإِمَامُ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ (5) تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} تَوْكِيدٌ لِتَخْمِيسِ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ حَتَّى الْخَيْطِ (6) وَالْمَخِيطِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 161] .
وَقَوْلُهُ: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَاهُنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِلَّهِ نَصِيبٌ مِنَ الْخُمُسِ يُجْعَلُ فِي الْكَعْبَةِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحي قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْغَنِيمَةِ فَيُقَسِّمُهَا عَلَى خَمْسَةٍ، تَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لِمَنْ شَهِدَهَا، ثُمَّ يَأْخُذُ الْخُمُسَ فَيَضْرِبُ بِيَدِهِ فِيهِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ الَّذِي قَبَضَ كَفُّهُ، فَيَجْعَلُهُ لِلْكَعْبَةِ (7) وَهُوَ سَهْمُ اللَّهِ. ثُمَّ يُقَسِّمُ مَا بَقِيَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، فَيَكُونُ سَهْمٌ لِلرَّسُولِ، وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ (8)
وَقَالَ آخَرُونَ: ذِكْرُ اللَّهِ هَاهُنَا اسْتِفْتَاحُ كلام للتبرك، وسهم (9) لرسوله عليه السلام (10)
__________
(1) في أ: "علماء من السلف".
(2) في م: "ما يطلق".
(3) في د: "الأربعة الأخماس"، وفي ك: "أربعة أخماس".
(4) في ك: "راجع".
(5) في ك: "ويقول"، وفي م: "فقوله".
(6) في ك، م: "الخياط".
(7) في د: "في الكعبة".
(8) رواه الطبري في تفسيره (13/550) .
(9) في م: "وسهمه".
(10) في أ: "صلى الله عليه وسلم".
الصفحة 59