كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 4)
عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يُدَّخَرُ لِصَاحِبِهِ فِي الْآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ" (1) .
وَقَوْلُهُ {يَعِظُكُمْ} أَيْ: يَأْمُرُكُمْ بِمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا (2) يَنْهَاكُمْ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
قَالَ الشَّعْبِيُّ، عَنْ شُتَيْر بْنِ شَكَل: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: إِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ} الْآيَةَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ (3) .
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلَهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ} الْآيَةَ، لَيْسَ مِنْ خُلُق حَسَنٍ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْمَلُونَ بِهِ وَيَسْتَحْسِنُونَهُ إِلَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْ خُلُقٍ سَيِّئٍ كَانُوا يَتَعَايَرُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَقَدَّمَ فِيهِ. وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَفَاسِفِ الْأَخْلَاقِ وَمَذَامِّهَا.
قُلْتُ: وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسافها" (4) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيم فِي كِتَابِهِ "كِتَابُ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ": حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَتْحِ الْحَنْبَلِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى (5) بْنُ مُحَمَّدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دَاوُدَ المنْكَدري، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ (6) عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَ أَكْثَمَ بْنَ صَيْفِيٍّ مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَأَبَى قَوْمُهُ أَنْ يَدَعُوهُ وَقَالُوا: أَنْتَ كَبِيرُنَا، لَمْ تَكُنْ لِتَخِفَّ إِلَيْهِ! قَالَ: فَلْيَأْتِهِ مَنْ يُبَلِّغُهُ عَنِّي وَيُبَلِّغُنِي عَنْهُ. فَانْتَدَبَ رَجُلَانِ فَأَتَيَا النَّبِيَّ (7) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا نَحْنُ رُسُلُ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ، وَهُوَ يَسْأَلُكَ: مَنْ أَنْتَ؟ وَمَا أَنْتَ (8) ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا مَنْ أَنَا فَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَمَّا مَا أَنَا فَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ". قَالَ: ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} قَالُوا: ارْدُدْ عَلَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ فَرَدَّدَهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَفِظُوهُ. فَأَتَيَا أَكْثَمَ فَقَالَا أَبَى أَنْ يَرْفَعَ نَسَبَهُ، فَسَأَلْنَا عَنْ نَسَبِهِ، فَوَجَدْنَاهُ زَاكِيَ النَّسَبِ، وَسَطًا فِي مُضَرَ، وَقَدْ رَمَى إِلَيْنَا بِكَلِمَاتٍ قَدْ سَمِعْنَاهَا، فَلَمَّا سَمِعَهُنَّ أَكْثَمُ قَالَ: إِنِّي قَدْ أَرَاهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَيَنْهَى عَنْ مَلَائِمِهَا، فَكُونُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ رُءُوسًا، وَلَا تَكُونُوا فيه أذنابا (9) .
__________
(1) رواه أحمد في المسند (5/ 36) وأبو داود في السنن برقم (4902) والترمذي في السنن برقم (2511) وابن ماجه في السنن برقم (4211) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
(2) في ف: "عن الذي".
(3) تفسير الطبري (14/ 109) .
(4) رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق برقم (3) وأبو نعيم في الحلية (8/ 255) من طريق معمر، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مرفوعًا، وقال أبو نعيم: "غريب من حديث أبي حازم وسهل تفرد به عن أبي حازم معمر".
(5) في ف: "حدثنا محمد بن يحيى".
(6) في هـ، ت، أ: "علي بن عبد الله بن عمير" وهو خطأ، وانظر: معرفة الصحابة (2/ 420) والثقات لابن حبان (7/ 207) والإصابة (1/ 118) .
(7) في أ: "رسول الله".
(8) في ف: "من أنت وصفاتك وما جئت به".
(9) معرفة الصحابة (2/ 420) قال ابن حجر: "وهو مرسل" وأورده ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 146) وأنكر كون أكثم بن صيفي من الصحابة وانظر: الإصابة (1/ 119) .
الصفحة 596