كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 4)

الْجِزْيَةَ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاءٍ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} يَفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ غَدَا النَّاسُ إِلَيْهَا فَفَتَحُوهَا بِعَوْنِ اللَّهِ (1)
{وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) }
يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلا تَحْسَبَنَّ} يَا محمَّد {الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا} أَيْ: فَاتُونَا فَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِمْ، بَلْ هُمْ تَحْتَ قَهْرِ قُدْرَتِنَا وَفِي قَبْضَةِ مَشِيئَتِنَا فَلَا يُعْجِزُونَنَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 4] أَيْ: يَظُنُّونَ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [النُّورِ: 57] ،وَقَالَ تَعَالَى (2) {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آلِ عِمْرَانَ: 196، 197] .
ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى بِإِعْدَادِ آلَاتِ الْحَرْبِ لِمُقَاتَلَتِهِمْ حَسَبَ الطَّاقَةِ وَالْإِمْكَانِ وَالِاسْتِطَاعَةِ، فَقَالَ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} أَيْ: مَهْمَا أَمْكَنَكُمْ، {مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَامة بْنِ شُفَيّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ" (3)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، بِهِ (4)
وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخَرُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ كَيْسان، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ (5)
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ، عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا خَيْرٌ مِنْ أن تركبوا" (6)
__________
(1) المسند (5/440) ورواه الترمذي في السنن برقم (1548) من طريق أبي عوانة، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ به نحوه، وقال: "حديث سلمان حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عطاء بن السائب، وسمعت محمدا يقول: أبو البختري لم يدرك سلمان؛ لأنه لم يدرك عليا، وسلمان مات قبل علي".
(2) في د: "وقوله".
(3) في م ذكرت جملة "ألا إن القوة الرمي" ثلاث مرات.
(4) المسند (4/156) وصحيح مسلم برقم (1917) وسنن أبي داود برقم (2514) وسنن ابن ماجة برقم (13/28) .
(5) سنن الترمذي برقم (3083) وقال: "صالح بن كيسان لم يدرك عقبة بن عامر، وقد أدرك ابن عمر".
(6) المسند (4/144) .

الصفحة 80