كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 4)
الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَادْعُهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ. فَإِنْ أَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ثُمَّ قَاتِلْهُمْ".
انْفَرَدَ بِهِ (1) مُسْلِمٌ، وَعِنْدَهُ زِيَادَاتٌ أُخَرُ (2)
وَقَوْلُهُ: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يَقُولُ تَعَالَى: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابُ، الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا فِي قِتَالٍ دِينِيٍّ، عَلَى عَدُوٍّ لَهُمْ فَانْصُرُوهُمْ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ نَصْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ، إِلَّا أَنْ يَسْتَنْصِرُوكُمْ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْكُفَّارِ {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} أَيْ: مُهَادَنَةٌ إِلَى مُدَّةٍ، فَلَا تَخْفِرُوا ذِمَّتَكُمْ، وَلَا تَنْقُضُوا أَيْمَانَكُمْ مَعَ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) }
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بعضُهم أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، قَطَعَ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ، كَمَا قَالَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ (3) يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ، وَلَا يَرِثُ مُسْلِمٌ كَافِرًا، وَلَا كَافِرٌ مُسْلِمًا"، ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (4)
قُلْتُ: الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ" (5) وَفِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ، مِنْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى" (6) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، [عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ] (7) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ
__________
(1) في أ: "انفرد بإخراجه".
(2) المسند (5/352) وصحيح مسلم برقم (1731) .
(3) في جميع النسخ: "أبو سعيد" والتصويب من كتب الرجال.
(4) المستدرك (2/240) .
(5) صحيح البخاري برقم (6764) وصحيح مسلم برقم (1614) .
(6) المسند (2/195) وسنن أبي داود برقم (2911) ولم أقع عليه في سنن الترمذي، وإنما أشار إليه عند حديث أسامة بن زيد، والله أعلم.
(7) زيادة من م، أ، والطبري.
الصفحة 97