كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (1) .
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ} أَيْ: فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا {أَعْمَى} عَنْ حُجَجِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ وَبَيِّنَاتِهِ {فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى} أَيْ: كَذَلِكَ يَكُونُ {وَأَضَلُّ سَبِيلا} أَيْ: وَأَضَلُّ مِنْهُ كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا (74) إِذًا لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) } .
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَأْيِيدِ (2) رَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ (3) ، وَتَثْبِيتِهِ، وَعِصْمَتِهِ وَسَلَامَتِهِ مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ وَكَيْدِ الْفُجَّارِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّي أَمْرَهُ وَنَصْرَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَكِلُهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، بَلْ هُوَ وَلِيُّهُ وَحَافِظُهُ وَنَاصِرُهُ وَمُؤَيِّدُهُ وَمُظَفِّرُهُ، وَمُظْهِرُ (4) دِينَهُ عَلَى مَنْ عَادَاهُ وَخَالَفَهُ وَنَاوَأَهُ، فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
__________
(1) ورواه الترمذي في السنن برقم (3136) من طريق عبد الله بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ موسى به، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".
(2) في ف: "تأييده".
(3) في ت: "صلوات الله وسلامه عليه".
(4) في ت: "فيظهر".
{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا (77) } .
قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، إِذْ أَشَارُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُكْنَى الشَّامِ بِلَادِ الْأَنْبِيَاءِ، وَتَرْكِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَسُكْنَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ بِتَبُوكَ. وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمُ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ العُطاردي، عَنْ يُونُسُ بْنُ بُكيْر، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَام، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْم؛ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا أَنَّكَ نَبِيٌّ، فَالْحَقْ بِالشَّامِ؛ فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَأَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ. فَصَدَّقَ (1) مَا قَالُوا، فَغَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الشَّامَ. فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكَ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مَا خُتِمَتِ السُّورَةُ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {تَحْوِيلا} فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ: فِيهَا محياك ومماتك، ومنها تبعث (2) .
__________
(1) في ت، ف: "قال: فصدق".
(2) دلائل النبوة (5/254) .

الصفحة 100