كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

وَذَهَبِي وَأَكْوَابِي وَصِحَافِي، وَأَبَارِيقِي وَمَرَاكِبِي، وَعَسَلِي وَمَائِي، وَخَمْرِي وَلَبَنِي فَآتِنِي مَا (1) وَعَدْتَنِي. فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَمْ يُشْرِكْ بِي، وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا، وَمَنْ خَشِيَنِي فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَمَنْ أَقْرَضَنِي جِزْيَتُهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيَّ كَفَيْتُهُ، إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَقَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، وَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ.
قَالَ: "ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا، وَوَجَدَ رِيحًا مُنْتِنَةً، فَقَالَ: مَا هَذِهِ (2) الرِّيحُ يَا جِبْرِيلُ؟ وَمَا هَذَا الصَّوْتُ؟ " فَقَالَ: هَذَا صَوْتُ جَهَنَّمَ تَقُولُ: يَا رَبِّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، فَقَدْ كَثُرَتْ سَلَاسِلِي وَأَغْلَالِي، وَسَعِيرِي وَحَمِيمِي، وَضَرِيعِي، وَغَسَّاقِي وَعَذَابِي، وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي، وَاشْتَدَّ حَرِّي، فَآتِنِي كُلَّ مَا وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ، وَكَافِرٍ وَكَافِرَةٍ، وَكُلُّ خَبِيثٍ وَخَبِيثَةٍ، وَكُلُّ جَبَّارٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ. قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ.
قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَ فَرَبَطَ فَرَسَهُ إِلَى صَخْرَةٍ، ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى مَعَ الْمَلَائِكَةِ، فَلَمَّا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ قَالُوا: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: محمد صلى الله عليه وسلم. قالوا: أوقد أُرْسِلَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
قَالَ: ثُمَّ لَقِيَ أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ، فَأَثْنَوْا عَلَى رَبِّهِمْ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اتَّخَذَنِي خَلِيلًا وَأَعْطَانِي مُلْكًا عَظِيمًا، وَجَعَلَنِي أُمَّةً قَانِتًا يُؤْتَمُّ بِي، وَأَنْقَذَنِي مِنَ النَّارِ، وَجَعَلَهَا عَلَيَّ بَرْدًا وَسَلَامًا. ثُمَّ (3) إِنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ (4) ، أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَلَّمَنِي تَكْلِيمًا، وَجَعْلَ هَلَاكَ آلِ فِرْعَوْنَ وَنَجَاةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيَّ، وَجَعَلَ مِنْ أُمَّتِي قَوْمًا يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ. ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ (5) أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] (6) ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِي مُلْكًا عَظِيمًا، وَعَلَّمَنِي الزَّبُورَ، وَأَلَانَ لِيَ الْحَدِيدَ، وَسَخَّرَ لِيَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ، وَأَعْطَانِي الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ. ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] (7) فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لِيَ الرِّيَاحَ، وَسَخَّرَ لِيَ الشَّيَاطِينَ يَعْمَلُونَ لِي مَا شِئْتُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ، وَجَفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ، وَعَلَّمَنِي مَنْطِقَ الطَّيْرِ، وَآتَانِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَضْلًا وَسَخَّرَ لِيَ جُنُودَ الشَّيَاطِينِ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَآتَانِي مُلْكًا عَظِيمًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، وَجَعَلَ مُلْكِي مُلْكًا طَيِّبًا لَيْسَ فِيهِ حِسَابٌ. ثُمَّ إِنَّ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي كَلِمَتَهُ وَجَعَلَ مَثَلِي مَثَلَ آدَمَ، خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ: "كُنْ" فَيَكُونَ، وَعَلَّمَنِي الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَجَعَلَنِي أَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَجَعَلَنِي أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِهِ (8) ، وَرَفَعَنِي وَطَهَّرَنِي، وَأَعَاذَنِي وَأُمِّيَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْنَا سَبِيلٌ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا (9) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: "فَكُلُّكُمْ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، وَإِنِّي مُثْنٍ عَلَى رَبِّي [عَزَّ وَجَلَّ] (10) فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الفرقان (11) فيه بيان لكل شيء، وجعل
__________
(1) في ت: "بما".
(2) في أ: "ما هذا".
(3) في ف، أ: "قال: ثم".
(4) في ت: "عليه الصلاة والسلام".
(5) في ت: "عليه الصلاة والسلام".
(6) زيادة من أ.
(7) زيادة من أ.
(8) في ف، أ: "بإذن الله".
(9) في أ: "محمدا رسول الله".
(10) زيادة من ف، أ.
(11) في ت، ف: "القرآن".

الصفحة 34