كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

أُمَّتِي خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَجَعَلَ أُمَّتِي أُمَّةً وَسَطًا، وَجَعَلَ أُمَّتِي هُمُ الْأَوَّلِينَ وَهُمُ الْآخَرِينَ، وَشَرَحَ لِي صَدْرِي، وَوَضَعَ عَنِّي وِزْرِي، وَرَفَعَ لِي ذِكْرِي، وَجَعَلَنِي فَاتِحًا وَخَاتَمًا" فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (1) : بِهَذَا فَضَلَكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ: خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَاتِحٌ بِالشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ أُتِيَ بِآنِيَةٍ ثَلَاثَةٍ مُغَطَّاةٍ أَفْوَاهُهَا، فَأُتِي بِإِنَاءٍ مِنْهَا فِيهِ مَاءٌ فَقِيلَ: اشْرَبْ. فَشَرِبَ مِنْهُ يَسِيرًا، ثُمَّ دُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاءٌ آخَرُ فِيهِ لَبَنٌ، فَقِيلَ لَهُ: اشْرِبْ، فَشَرِبَ مِنْهُ حَتَّى رَوِيَ. ثُمَّ دُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاءٌ آخَرُ فِيهِ خَمْرٌ فَقِيلَ لَهُ: اشْرِبْ فَقَالَ: "لَا أُرِيدُهُ قَدْ رَوِيتُ". فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (2) : أَمَا إِنَّهَا سَتُحَرَّمُ عَلَى أُمَّتِكَ، وَلَوْ شَرِبْتَ مِنْهَا لَمْ يَتْبَعْكَ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا قَلِيلٌ.
قَالَ: ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ، فقالوا: أوقد أُرْسِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بَرَجُلٍ تَامِّ الْخَلْقِ (3) لَمْ يَنْقُصْ مَنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ كَمَا يَنْقُصُ مَنْ خَلْقِ النَّاسِ، عَنْ (4) يَمِينِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ، وَعَنْ شِمَالِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ خَبِيثَةٌ، إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَاسْتَبْشَرَ، وَإِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ بَكَى وَحَزِنَ، فَقُلْتُ: "يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا الشَّيْخُ التَّامُّ الْخَلْقِ الَّذِي لَمْ يُنْقَصْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ؟ وَمَا هَذَانِ الْبَابَانِ؟ " فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (5) ، وَهَذَا الْبَابُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ بَابُ الْجَنَّةِ، إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ يَدْخُلُ (6) مِنْ ذُرِّيَّتِهِ ضَحِكَ وَاسْتَبْشَرَ، وَالْبَابُ الَّذِي عَنْ شِمَالِهِ بَابُ جَهَنَّمَ، إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ يَدْخُلُهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ بَكَى وَحَزِنَ.
ثُمَّ صَعِدَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ رسول الله. قالوا: أوقد أُرْسِلَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَلَنِعْمَ الْأَخُ وَلَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِشَابَّيْنِ فَقَالَ: "يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَانِ الشَّابَّانِ؟ " قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، ابْنَا الْخَالَةِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
قَالَ: فَصَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أُرْسِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ فُضِّلَ عَلَى النَّاسِ فِي الْحُسْنِ كَمَا فُضِّلَ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، قَالَ: "مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ الَّذِي قَدْ فُضِّلَ عَلَى النَّاسِ فِي الْحُسْنِ؟ " قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ (7) .
قَالَ: ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ (8) الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالُوا (9) مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أُرْسِلَ؟ (10) قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: فَدَخَلَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ، قَالَ: "مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ رَفَعَهُ اللَّهُ [تَعَالَى] (11) مَكَانًا عَلِيًّا.
__________
(1) زيادة من ف، أ.
(2) زيادة من ف، أ.
(3) في ف: "تام الخلقة".
(4) في ف: "على".
(5) زيادة من أ
(6) في ت، ف: "يدخله".
(7) في ت: "عليه الصلاة والسلام".
(8) في ف: "ثم صعدت إلى السماء".
(9) في ف: "فقيل".
(10) في ف، أ: "أرسل إليه".
(11) زيادة من ت.

الصفحة 35