كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)
فَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُهُ بِذَلِكَ حَثْوا المُطي، وَعَرَفُوا أَنَّهُ عِنْدَ قَوْلٍ يَقُولُهُ، فَلَمَّا تَأَشَّهُوا حَوْلَهُ قَالَ: " أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ ذَاكَ؟ يَوْمَ يُنَادَى آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيُنَادِيهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: يَا آدَمُ، ابْعَثْ بَعْثَكَ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ". قَالَ فَأَبْلَسَ أَصْحَابُهُ حَتَّى مَا أَوْضَحُوا بِضَاحِكَةٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: "أَبْشِرُوا وَاعْمَلُوا، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَمَعَ (1) خَليقتين مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ: يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَبَنِي إِبْلِيسَ" قَالَ: فسُرّي عَنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ، أَوِ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنَيْهِمَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّار، عَنْ يَحْيَى -وَهُوَ القَطَّان-عَنْ هِشَامٍ-وَهُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ-عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ (2) بِنَحْوِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ: قَالَ (3) التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُدعان، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْن؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ (4) اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} ، قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ، وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: "أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ ذَلِكَ؟ " فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "ذَلِكَ يَوْمٌ يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ: ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: تِسْعُمِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِلَى النَّارِ، وَوَاحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ" فَأَنْشَأَ الْمُسْلِمُونَ يَبْكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَارِبُوا وسَدِّدوا، فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلَّا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهَا جَاهِلِيَّةٌ" قَالَ: "فَيُؤْخَذُ الْعَدَدُ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنْ تَمَّتْ وَإِلَّا كُمّلت مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَمَا مَثَلُكُمْ وَالْأُمَمُ إِلَّا كَمَثَلِ الرَّقمة فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ، أَوْ كَالشَّامَةِ (5) فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ" ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أهل الجنة" فَكَبَّرُوا ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فَكَبَّرُوا، ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فَكَبَّرُوا، قَالَ: وَلَا أَدْرِي أَقَالَ الثُّلُثَيْنِ أَمْ لَا؟
وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ (6) ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبة عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ وَالْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ عمران بن الحصين (7) ، فذكره.
__________
(1) في ت: "مع".
(2) المسند (4/435) وسنن الترمذي برقم (3169) وسنن النسائي الكبرى برقم (11340) .
(3) في ت: "وقال".
(4) في ت: "يا أيها الذين آمنوا" وهو خطأ.
(5) في ت: "وكالشامة".
(6) سنن الترمذي برقم (3168) والمسند (4/432) .
(7) في ت: "ابن حصين".
الصفحة 391