كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

أَيْ: يُقَالُ لَهُ هَذَا تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا، {وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِِ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ. ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ. ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ. إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} [الدُّخَانِ: 47 -50] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَحَدَهُمْ يُحرق فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) } .
قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا: {عَلَى حَرْفٍ} : عَلَى شَكٍّ (1) .
وَقَالَ غَيْرُهُمْ: عَلَى طَرَفٍ. وَمِنْهُ حَرْفُ الْجَبَلِ، أَيْ: طَرَفَهُ، أَيْ: دَخَلَ فِي الدِّينِ عَلَى طَرَفٍ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يُحِبُّهُ اسْتَقَرَّ، وَإِلَّا انْشَمَرَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْر (2) ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِين، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقدم الْمَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا، ونُتِجَت خيلُه، قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ. وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ، وَلَمْ تُنتَج (3) خَيْلُهُ قَالَ: هَذَا دِينٌ سُوءٌ (4) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ القُمِّي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ يَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيُسْلِمون، فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، فَإِنْ وَجَدُوا عَامَ غَيث وَعَامَ خِصْبٍ وَعَامَ وَلَادٍ حَسَنٍ، قَالُوا: "إِنَّ دِينَنَا هَذَا لَصَالِحٌ، فتمَسَّكُوا بِهِ". وَإِنْ وَجَدُوا عَامَ جُدوبة وَعَامَ وِلَادٍ سَوء وَعَامَ قَحْطٍ، قَالُوا: "مَا فِي دِينِنَا هَذَا خَيْرٌ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} .
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا قَدم الْمَدِينَةَ، وَهِيَ أَرْضٌ وَبِيئَةٌ (5) ، فَإِنْ صَحَّ بِهَا جِسْمُهُ، ونُتِجت فَرَسُهُ مُهْرًا حَسَنًا، وَوَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا، رَضِيَ بِهِ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ، وَقَالَ: "مَا أَصَبْتُ مُنْذُ كنتُ عَلَى دِينِي هَذَا إِلَّا خَيْرًا". وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ -وَالْفِتْنَةُ: الْبَلَاءُ-أَيْ: وَإِنْ أَصَابَهُ وَجَعُ المدينة،
__________
(1) في ت: "على شدة".
(2) في ف: "ابن أبي بكر".
(3) في ت، ف: "ينتج".
(4) صحيح البخاري برقم (4742) .
(5) في هـ، ت: "وهم أرض دونه" والمثبت من ف، أ.

الصفحة 400