كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {فَكُلُوا مِنْهَا} قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ فَرُخِّصَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ شَاءَ أَكَلَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ نَحْوُ ذَلِكَ.
قَالَ هُشَيْم، عَنْ حُصَين، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {فَكُلُوا مِنْهَا} : هِيَ كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [الْمَائِدَةِ: 2] ، {فَإِذَا قُضِيَتِ (1) الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ} [الْجُمُعَةِ: 10] .
وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَضَاحِيَّ يُتَصَدَّقُ مِنْهَا بِالنِّصْفِ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} ، فَجَزَّأَهَا نِصْفَيْنِ: نِصْفٌ لِلْمُضَحِّي، وَنِصْفٌ لِلْفُقَرَاءِ.
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّهَا تُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: ثُلُثٌ لَهُ، وَثُلُثٌ يُهْدِيهِ، وَثُلُثٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الْحَجِّ: 36] وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ.
وَقَوْلُهُ: {الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} ، قَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الْمُضْطَرُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْبُؤْسُ، [وَالْفَقِيرُ] (2) الْمُتَعَفِّفُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي لَا يَبْسُطُ يَدَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الزّمِن. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: هُوَ الضَّرِيرُ.
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ وَضْعُ [الْإِحْرَامِ] (3) مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَهَكَذَا رَوَى عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ، عَنْهُ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظي.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قَالَ: التَّفَثُ: الْمَنَاسِكُ.
وَقَوْلُهُ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي: نَحْرَ مَا نَذَرَ مِنْ أَمْرِ البُدن.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} : (4) نَذْرَ الْحَجِّ وَالْهَدْيِ وَمَا نَذَرَ الْإِنْسَانُ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْحَجِّ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَة، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} قَالَ: الذَّبَائِحُ.
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} كُلُّ نَذْرٍ إِلَى أَجَلٍ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} ، قَالَ: [حَجَّهُمْ.
وَكَذَا رَوَى الْإِمَامُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ فِي قَوْلِهِ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} قَالَ:] (5) نَذْرَ الْحَجِّ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ الْحَجَّ فَعَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِ: الطواف بالبيت
__________
(1) في ت: "قضيتم".
(2) زيادة من ف، أ.
(3) زيادة من ف، أ.
(4) زيادة من ت، ف، أ.
(5) زيادة من ت، ف،أ".

الصفحة 417