كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

اللَّيْثُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ".
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ النَّجَّارِيِّ (1) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، بِهِ (2) . وَقَالَ: إِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، مُرْسَلًا (3) .
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) }
__________
(1) في ف: "المحاربي".
(2) سنن الترمذي برقم (3170) وفيه "هذا حديث حسن صحيح" وأظنه خطأ.
(3) صحيح البخاري برقم (2654) وصحيح مسلم برقم (87) .
{حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) } .
يَقُولُ تَعَالَى: هَذَا الَّذِي أَمَرْنَا بِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ، وَمَا لِفَاعِلِهَا مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ.
{وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} أَيْ: وَمَنْ يَجْتَنِبُ مَعَاصِيَهُ وَمَحَارِمَهُ وَيَكُونُ ارْتِكَابُهَا عَظِيمًا فِي نَفْسِهِ، {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} أَيْ: فَلَهُ عَلَى ذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَثَوَابٌ جَزِيلٌ، فَكَمَا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ ثَوَابٌ جَزِيلٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ، وَكَذَلِكَ عَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَ [اجْتِنَابِ] (1) الْمَحْظُورَاتِ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} قَالَ: الْحُرْمَةُ: مَكَّةُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ كُلِّهَا. وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} أَيْ: أَحْلَلْنَا (2) لَكُمْ جَمِيعَ الْأَنْعَامِ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ، وَلَا سَائِبَةٍ، وَلَا وَصِيلَةٍ، وَلَا حَامٍ.
وَقَوْلُهُ: {إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} أَيْ: مِنْ تَحْرِيمِ {الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ [إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ] (3) } الْآيَةَ [الْمَائِدَةِ: 3] ، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَحَكَاهُ عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَوْلُهُ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} : "مِنْ" هَاهُنَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ، أَيِ: اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ. وَقَرَنَ الشِّرْكَ بِاللَّهِ (4) بِقَوْلِ الزُّورِ، كَقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَافِ: 33] ، وَمِنْهُ شَهَادَةُ الزُّورِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ أَبِي بَكْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ -وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ:-أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ". فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سكت (5) .
__________
(1) زيادة من أ.
(2) في ت: "أحلت".
(3) زيادة من ت، ف، أ.
(4) في أ: "به".
(5) صحيح البخاري برقم (2654) وصحيح مسلم برقم (87) .

الصفحة 419