كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

الْهَدْيَةُ أَوِ الْأُضْحِيَّةُ سَمِينَةً حَسَنَةً ثَمِينَةً، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَهْدَى عُمَرُ نَجيبًا، فَأُعْطِيَ بِهَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَهْدَيْتُ نُجَيْبًا، فأعطِيتُ بِهَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، أَفَأَبِيعُهَا وَأَشْتَرِي بِثَمَنِهَا بدْنًا؟ قَالَ: "لَا انحَرْهَا إِيَّاهَا" (1) .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْبُدْنُ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُوسَى: الْوُقُوفُ وَمُزْدَلِفَةُ وَالْجِمَارُ وَالرَّمْيُ وَالْبُدْنُ وَالْحَلْقُ: مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعْظَمُ الشَّعَائِرِ الْبَيْتُ.
قَوْلُهُ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} أَيْ: لَكُمْ فِي الْبُدْنِ مَنَافِعُ، مِنْ لَبَنِهَا، وَصُوفِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَرُكُوبِهَا.
{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} : قَالَ مِقْسَم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [فِي قَوْلِهِ] (2) : {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ: مَا لَمْ يُسَمَّ بُدْنًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ، قَالَ: الرُّكُوبُ وَاللَّبَنُ وَالْوَلَدُ، فَإِذَا سُمّيت بَدنَةً أَوْ هَديًا، ذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، [وَمُقَاتِلٌ] (3) وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ هَدْيًا، إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بدَنَةً، قَالَ: "ارْكَبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدنَة. قَالَ: "ارْكَبْهَا، وَيْحَكَ"، فِي الثَّانيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ (4) .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا ألجئتَ إِلَيْهَا" (5) .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ الْأَعْمَى، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَذْف، عَنْ عَلِيٍّ؛ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً وَمَعَهَا وَلَدُهَا، فَقَالَ: لَا تَشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا مَا فَضُلَ عَنْ وَلَدِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَاذْبَحْهَا وولدَها.
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أَيْ: مَحِل الْهَدْيِ وَانتِهَاؤُهُ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَهُوَ الْكَعْبَةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [الْمَائِدَةِ: 95] ، وَقَالَ {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الْفَتْحِ: 25] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى "الْبَيْتِ الْعَتِيقِ" قَرِيبًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (6) .
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ، فَقَدْ حَلَّ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
__________
(1) المسند (2/145) وسنن أبي داود برقم (1756) .
(2) زيادة من ت، ف، أ.
(3) زيادة من ت، ف، أ.
(4) صحيح البخاري برقم (1690) وصحيح مسلم برقم (1323) .
(5) صحيح مسلم برقم (1323) .
(6) في ت: "والله أعلم".

الصفحة 423