كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْقَانِعُ: الْمُتَعَفِّفُ. وَالْمُعْتَرُّ: السَّائِلُ. وَهَذَا قولُ قَتَادَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعي، وَمُجَاهِدٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وعِكْرِمَة (1) ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ الْكَلْبِيِّ، ومُقَاتِل بْنُ حَيَّان، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: الْقَانِعُ: هُوَ الَّذِي يَقْنع إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ. وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ، يَتَضَرَّعُ وَلَا يَسْأَلُكَ. وَهَذَا لَفْظُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْقَانِعُ: هُوَ السَّائِلُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّمَّاخ. لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحُه فَيُغْني ... مَفَاقِرَه (2) ، أَعَفُّ مِنَ القُنُوع (3)
قَالَ: يَعْنِي مِنَ السُّؤَّالِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْقَانِعُ: الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ. وَالْمُعْتَرُّ: الصَّدِيقُ وَالضَّعِيفُ (4) الَّذِي يَزُورُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (5) بْنِ زَيْدٍ أَيْضًا.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: الْقَانِعُ: جَارُكَ الْغَنِيُّ [الَّذِي يُبْصِرُ مَا يَدْخُلُ بَيْتَكَ] (6) وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ (7) مِنَ النَّاسِ.
وَعَنْهُ: أَنَّ الْقَانِعَ: هُوَ الطَّامِعُ. وَالْمُعْتَرُّ: هُوَ الَّذِي يَعْتَر بالبُدْن مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوُهُ، وَعَنْهُ الْقَانِعُ: أَهْلُ مَكَّةَ.
وَاخْتَارَ ابنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْقَانِعَ: هُوَ السَّائِلُ؛ لِأَنَّهُ مَنْ أَقْنَعَ بِيَدِهِ إِذَا رَفَعَهَا لِلسُّؤَالِ، وَالْمُعْتَرُّ مِنَ الِاعْتِرَارِ، وَهُوَ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِأَكْلِ اللَّحْمِ.
وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَن ذَهَبَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةُ تُجزَّأ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: فَثُلُثٌ لِصَاحِبِهَا يَأْكُلُهُ [مِنْهَا] (8) ، وَثُلُثٌ يُهْدِيهِ لِأَصْحَابِهِ، وَثُلُثٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ: "إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَكَلُّوا وَادَّخِرُوا مَا بَدَا لَكُمْ" (9) وَفِي رواية: "فكلوا وادخروا وتصدقوا". وفي رواية: "فكلوا وأطعموا وتصدقوا" (10) .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْمُضَحِّيَ يَأْكُلُ النِّصْفَ وَيَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ، لِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الْحَجِّ: 28] ، وَلِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: "فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا".
فَإِنْ أَكَلَ الْكُلَّ فَقِيلَ (11) : لَا يُضَمِّنُ شَيْئًا. وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيج من الشافعية.
__________
(1) في ف، أ: "وعكرمة وزيد بن أسلم".
(2) في ت: "مفاقه".
(3) البيت في ديوانه (ص221) أ. هـ مستفادا من حاشية الشعب.
(4) في ت: "والضيف".
(5) في أ: "عن أبيه عبد الرحمن".
(6) زيادة من ف، أ.
(7) في أ: "يعتزل".
(8) زيادة من ت، ف، أ.
(9) صحيح مسلم برقم (977) من حَدِيثُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(10) رواه مالك في الموطأ (2/484) من حديث جابر رضي الله عنه.
(11) في ت، ف، أ. "فقد فقيل".

الصفحة 429