كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُضَمِّنُهَا كُلَّهَا بِمِثْلِهَا أَوْ قِيمَتِهَا. وَقِيلَ: يُضَمِّنُ نِصْفَهَا. وَقِيلَ: ثُلُثَهَا. وَقِيلَ: أَدْنَى جُزْءٍ مِنْهَا. وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا الْجُلُودُ، فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ قَتَادَةَ ابن النُّعْمَانِ فِي حَدِيثِ الْأَضَاحِيِّ: "فَكُلُوا وَتَصَّدَّقُوا، وَاسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِهَا، وَلَا تَبِيعُوهَا" (1) .
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ [فِي ذَلِكَ] (2) ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُقَاسِمُ الْفُقَرَاءَ ثَمَنَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ] (3) .
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ (4) بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ [عَجَّلَهُ] (5) لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ" أَخْرَجَاهُ (6) .
فَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْأَضْحَى إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَمَضَى قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْخُطْبَتَيْنِ. زَادَ أَحْمَدُ: وَأَنْ يَذْبَحَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ، لِمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: وَأَلَّا تَذْبَحُوا حَتَّى يَذْبَحَ الْإِمَامُ" (7) .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا أَهْلُ السَّوَادِ مِنَ الْقُرَى وَنَحْوِهِمْ (8) ، فَلَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، إِذْ لَا صَلَاةَ عِيدٍ (9) عِنْدَهُ لَهُمْ. وَأَمَّا أَهْلُ الْأَمْصَارِ فَلَا يَذْبَحُوا حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قِيلَ: لَا يُشْرَعُ الذَّبْحُ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَحْدَهُ. وَقِيلَ: يَوْمُ النَّحْرِ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ، لِتَيَسُّرِ (10) الْأَضَاحِيِّ عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى فَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقِيلَ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمٌ بَعْدَهُ لِلْجَمِيعِ. وَقِيلَ: وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقِيلَ: يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ (11) .
وَقِيلَ: إِنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ يَمْتَدُّ إِلَى آخَرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ.
وَقَوْلُهُ: {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} : يَقُولُ تَعَالَى: مِنْ أَجْلِ هَذَا {سَخَّرْنَاهَا لَكُم} أَيْ: ذَلَّلْنَاهَا لَكُمْ، أَيْ: جَعَلْنَاهَا مُنْقَادَةً لَكُمْ خَاضِعَةً، إِنْ شِئْتُمْ رَكِبْتُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ حَلَبْتُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ ذَبَحْتُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ. وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ. وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ} [يس: 71 -73] ،
__________
(1) المسند (4/15) .
(2) زيادة من ف، أ.
(3) زيادة من ف، أ.
(4) في ت: "يبدأ
(5) زيادة من ت، ف، أ، والبخاري، وفي هـ: "يبديه".
(6) صحيح البخاري برقم (5545) وصحيح مسلم برقم (1961) .
(7) لم يقع لي في مسلم هذا اللفظ وينظر صحيح مسلم (3/1551) .
(8) في ف: "وغيرها".
(9) في أ: "عيد تشرع".
(10) في ف: "لتيسر".
(11) المسند (4/82) .

الصفحة 430