كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

أَبُو حَنِيفَةَ اشْتِرَاطَ الْإِقَامَةِ أَيْضًا. وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "مَنْ وَجَدَ سَعَة فَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلانا" (1) عَلَى أَنَّ فِيهِ غَرَابَةٌ، وَاسْتَنْكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (2) .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرٌ سِنِينَ يُضَحِّي. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (3) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ: لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ، بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ" (4) . وَقَدْ تَقَدَّمُ أَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ (5) ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ فَأَسْقَطَ ذَلِكَ وُجُوبَهَا عَنْهُمْ.
وَقَالَ أَبُو سَريحةَ: كُنْتُ جَارًا لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَكَانَا لَا يُضَحِّيَانِ خَشْيَةَ أَنْ يَقْتَدِيَ النَّاسُ بِهِمَا.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، إِذَا قَامَ بِهَا وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ دَارٍ أَوْ مَحَلَّةٍ، سَقَطَتْ عَنِ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِظْهَارُ الشِّعَارِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَهْلُ السُّنَنِ -وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ-عَنْ مِخْنَف بْنِ سُلَيْمٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ بِعَرَفَاتٍ: "عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحَاةٌ وعَتِيرة، هَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هِيَ (6) الَّتِي تَدْعُونَهَا الرَّجبية". وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِهِ (7) .
وَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، يَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ [حَتَّى تَبَاهَى] (8) النَّاسُ فَصَارَ كَمَا تَرَى.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ (9) .
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَأَمَّا مِقْدَارُ سِنّ الْأُضْحِيَّةِ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّة، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ" (10) .
__________
(1) المسند (2/321) وسنن ابن ماجه برقم (3123) .
(2) في إسناده عبد الله بن عياش، قال البوصيري في الزوائد (3/50) : "وإن روى له مسلم فإنما روى له في المتابعات والشواهد فقد ضعفه أبو داود والنسائي، وقال أبو حاتم، وابن يونس: منكر الحديث وذكره ابن حبان في الثقات". ثم نقل عن البيهقي أنه بلغه عن الترمذي: أن الصحيح عن أبي هريرة موقوف أ. هـ.
ويمكن أن يجاب بأن هذا الحديث لا يدل على الوجوب، كما في حديث: "من أكل الثوم فلا يقربن مصلانا" ذكر ذلك ابن الجوزي وهناك لا يلزم استنكاره.
(3) سنن الترمذي برقم (1507) وحسنه.
(4) رواه ابن ماجه في السنن برقم (1789) من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.
(5) في أ: "صلى الله عليه وسلم".
(6) في ف، أ: "قال: هي".
(7) المسند (4/125) وسنن أبي داود برقم (2788) وسنن الترمذي برقم (1518) وسنن النسائي (7/167) وسنن ابن ماجه برقم (3125) .
(8) زيادة من ت، ف.
(9) سنن الترمذي برقم (1505) وسنن ابن ماجه برقم (3147) .
(10) صحيح مسلم برقم (1963) .

الصفحة 432