كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ، بِهِ (1) وَزَادَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنَيْهِمَا، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (2) مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ -زَادَ التِّرْمِذِيُّ: ووَكِيع، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَلَيْسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ (3) .
وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} أَيْ: هُوَ قَادِرٌ عَلَى نَصْرِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَلَكِنْ هُوَ يُرِيدُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يُبْلُوا (4) جَهْدَهُمْ فِي طَاعَتِهِ، كَمَا قَالَ: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ. سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [مُحَمَّدٍ: 4 -6] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ (5) وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التَّوْبَةِ: 14، 15] ، وَقَالَ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [التَّوْبَةِ: 16] ، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ [اللَّهُ] (6) الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 142] ، وَقَالَ: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [مُحَمَّدٍ: 31] .
وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} وَقَدْ فَعَلَ.
وَإِنَّمَا شَرَعَ [اللَّهُ] (7) تَعَالَى الْجِهَادَ فِي الْوَقْتِ الْأَلْيَقِ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا بِمَكَّةَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ عَدَدًا، فَلَوْ أمرَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ أَقَلُّ مِنَ الْعُشْرِ، بِقِتَالِ الْبَاقِينَ (8) لشَقَّ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا لَمَّا بَايَعَ أهلُ يَثْرِبَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا نَيِّفًا وَثَمَانِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَمِيلُ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي -يَعْنُونَ أَهْلَ مِنَى-لَيَالِيَ مِنى فَنَقْتُلُهُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إني لم أومر بِهَذَا". فَلَمَّا بَغَى الْمُشْرِكُونَ، وَأَخْرَجُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ، وَشَرَّدُوا أَصْحَابَهُ شَذرَ مَذَر، فَذَهَبَ (9) مِنْهُمْ طَائِفَةٌ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَآخَرُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا اسْتَقَرُّوا بِالْمَدِينَةِ، وَوَافَاهُمْ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَقَامُوا بِنَصْرِهِ وَصَارَتْ لهم دار إسلام ومَعْقلا يلجؤون إِلَيْهِ -شَرَعَ اللَّهُ جِهَادَ الْأَعْدَاءِ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ}
__________
(1) زيادة من ف.
(2) في ت: "ماجه".
(3) سنن الترمذي برقم (3171) وسنن النسائي الكبرى برقم (11345) .
(4) في ت، أ: "يبذلوا".
(5) في ت: "بأيديهم".
(6) زيادة من ت، ف، أ.
(7) تفسير الطبري (17/123) والمسند (1/216) .
(8) في ت: "المنافقين".
(9) في ف: "فذهبت".

الصفحة 434