كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الصَّبَاحُ بْنُ سِوَادَةَ الْكِنْدِيُّ: سَمِعَتْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ} الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْوَالِي وَحْدَهُ، وَلَكِنَّهَا عَلَى الْوَالِي وَالْمُولَى عَلَيْهِ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا لَكَمَ عَلَى الْوَالِي مِنْ ذَلكم، وَبِمَا لِلْوَالِي عَلَيْكُمْ مِنْهُ؟ إِنَّ لَكُمْ عَلَى الْوَالِي مِنْ ذَلِكُمْ أَنْ يُؤَاخِذَكُمْ بِحُقُوقِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَأَنْ يَأْخُذَ لِبَعْضِكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَأَنْ يَهْدِيَكُمْ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ مَا اسْتَطَاعَ، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ الطَّاعَةَ غَيْرَ الْمَبْزُوزَةِ وَلَا الْمُسْتَكْرَهَةِ، وَلَا الْمُخَالِفَ سِرُّهَا عَلَانِيَتَهَا.
وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ [كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ] (1) } [النُّورِ: 55] .
وَقَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ} ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الْقَصَصِ: 83] .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ} : وَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ مَا صَنَعُوا.
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) } .
يَقُولُ تَعَالَى مُسَلِّيًا نبيَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَكْذِيبِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} إِلَى أَنْ قَالَ (2) : {وَكُذِّبَ مُوسَى} أَيْ: مَعَ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ.
{فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} أَيْ: أَنْظَرْتُهُمْ وَأَخَّرْتُهُمْ، {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أَيْ: فَكَيْفَ كَانَ إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ، وَمُعَاقَبَتِي لَهُمْ؟!
ذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ قَوْلِ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ: {أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى} [النَّازِعَاتِ: 24] ، وَبَيْنَ إِهْلَاكِ اللَّهِ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْه، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] (3) .
__________
(1) زيادة من أ.
(2) في ف، أ: "وَعَادٌ وَثَمُودُ. وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ. وَأَصْحَابُ مدين".
(3) صحيح البخاري برقم (4686) وصحيح مسلم برقم (2583) .

الصفحة 437