كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: {لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} هُمُ: الْمُنَافِقُونَ {وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} : الْمُشْرِكُونَ.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: هُمُ [الْكَافِرُونَ] (1) الْيَهُودُ.
{وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} أَيْ: فِي ضَلَالٍ وَمُخَالَفَةٍ وَعِنَادٍ بَعِيدٍ، أَيْ: مِنَ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ.
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ} أَيْ: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ النَّافِعَ الَّذِي يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَنَّ مَا أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْكَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، الَّذِي أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَحِفْظِهِ وَحَرَسَهُ أَنْ يَخْتَلِطَ بِهِ غَيْرُهُ، بَلْ هُوَ كِتَابٌ حَكِيمٌ، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: 42] .
وَقَوْلُهُ: {فَيُؤْمِنُوا بِهِ} أَيْ: يُصَدِّقُوهُ وَيَنْقَادُوا لَهُ، {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} أَيْ: تَخْضَعُ وَتَذِلُّ، {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُرْشِدُهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ، وَيُوَفِّقُهُمْ لِمُخَالَفَةِ الْبَاطِلِ وَاجْتِنَابِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ يَهْدِيهِمْ [إِلَى] (2) الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، الْمُوصِلِ إِلَى دَرَجَاتِ الْجَنَّاتِ، وَيُزَحْزِحُهُمْ عَنِ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَالدَّرَكَاتِ.
{وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) }
__________
(1) زيادة من ت.
(2) زيادة من أ.
{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57) } .
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْكُفَّارِ: أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ فِي مِرْيَةٍ، أَيْ: فِي شَكٍّ وَرَيْبٍ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ، قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ زَيْدٍ: {مِنْهُ} أَيْ: مِمَّا أَلْقَى الشَّيْطَانُ.
{حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} : قَالَ مُجَاهِدٌ: فَجْأَةً. وَقَالَ قَتَادَةُ: {بَغْتَةً} ، بَغَتَ [الْقَوْمَ] (1) أَمْرُ اللَّهِ، وَمَا أَخَذَ اللَّهُ قَوْمًا قَطُّ إِلَّا عِنْدَ سَكْرَتِهِمْ وَغَرَّتِهِمْ وَنِعْمَتِهِمْ، فَلَا تَغْتَرُّوا بِاللَّهِ، إِنَّهُ لَا يَغْتَرُّ بِاللَّهِ (2) إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ.
وَقَوْلُهُ: {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} : قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ [فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا] (3) : هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَا لَيْلَةَ لَهُ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُوعِدُوا بِهِ، لَكِنَّ هَذَا هو المراد؛ ولهذا
__________
(1) في ت: "اليوم" والمثبت من ف، أ.
(2) في أ: "فلا يغتر به".
(3) زيادة من ت، ف، أ.

الصفحة 446