كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

اتَّخَذَتْ مَمْلُوكَهَا، وَقَالَتْ: تأَوّلْت آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [قَالَ] (1) : فأُتي بها عمر ابن الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ (2) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَأَوَّلَتْ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا. قَالَ: فَغرب (3) الْعَبْدَ وَجَزَّ رَأْسَهُ: وَقَالَ: أَنْتِ بَعْدَهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. هَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ مُنْقَطِعٌ، ذَكَرَهُ (4) ابْنُ جَرِيرٍ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ (5) ، وَهُوَ هَاهُنَا أَلْيَقُ، وَإِنَّمَا حَرَّمَهَا عَلَى الرِّجَالِ مُعَامَلَةً لَهَا بِنَقِيضِ قَصْدِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى تَحْرِيمِ الِاسْتِمْنَاءِ بِالْيَدِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قَالَ: فَهَذَا الصَّنِيعُ خَارِجٌ عَنْ هَذَيْنَ الْقِسْمَيْنِ، وَقَدْ قَالَ: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} وَقَدِ اسْتَأْنَسُوا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ فِي جُزْئِهِ الْمَشْهُورِ حَيْثُ قَالَ:
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ الجَزَريّ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ حُمَيْدٍ (6) ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَبْعَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ مَعَ الْعَامِلِينَ، وَيُدْخِلُهُمُ النَّارَ أَوَّلَ الدَّاخِلِينَ، إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا، فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ: نَاكِحُ يَدِهِ (7) ، وَالْفَاعِلُ، وَالْمَفْعُولُ بِهِ، وَمُدْمِنُ (8) الْخَمْرِ، وَالضَّارِبُ وَالِدَيْهِ حَتَّى يَسْتَغِيثَا، وَالْمُؤْذِي جِيرَانَهُ حَتَّى يَلْعَنُوهُ، وَالنَّاكِحُ حَلِيلَةَ جَارِهِ" (9) .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ؛ لِجَهَالَتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} أَيْ: إِذَا اؤْتُمِنُوا لَمْ يَخُونُوا، بَلْ يُؤَدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا، وَإِذَا عَاهَدُوا أَوْ عَاقَدُوا أَوْفَوْا بِذَلِكَ، لَا كَصِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّث كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا اؤتمن خَانَ".
وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} أَيْ: يُوَاظِبُونَ عَلَيْهَا فِي مَوَاقِيتِهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (10) . وَفِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ قَالَ: "الصلاة في أول وقتها" (11) .
__________
(1) زيادة من أ.
(2) في أ: "رسول الله".
(3) في ف، أ: "فضرب" وهو الصحيح.
(4) في أ: "ذكرها".
(5) تفسير الطبري (9/586) ط - المعارف.
(6) في ف، أ: "أحمد".
(7) في ف، أ: "الناكح يده".
(8) في ف، أ: "المدمن".
(9) جزء الحسن بن عرفة برقم (41) .
(10) صحيح البخاري برقم (5970) وصحيح مسلم برقم (85) .
(11) المستدرك (1/188) وقال الحاكم: "فقد صحت هذه اللفظة باتفاق الثقتين بندار بن بشار، والحسن بن مكرم على روايتهما عن عثمان بن عمرو، وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

الصفحة 463