كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

يُخْلَقُ، مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ وَمِنْ نُطْفَةِ الْمَرْأَةِ، فَأَمَّا نُطْفَةُ الرَّجُلِ فَنُطْفَةٌ غَلِيظَةٌ مِنْهَا الْعَظْمُ والعَصَب، وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ فَنُطْفَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّمُ" فَقَامَ الْيَهُودِيُّ فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ يَقُولُ مَنْ قَبْلَكَ. (1)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الطُّفَيْل، حُذَيْفَة بْنِ أُسَيْد الْغِفَارِيِّ قَالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَدْخُلُ المَلك عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَاذَا؟ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقُولُ اللَّهُ، فَيَكْتُبَانِ (2) . فَيَقُولَانِ: مَاذَا؟ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَكْتُبَانِ ويُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَثَرُهُ، وَمُصِيبَتُهُ، وَرِزْقُهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصَّحِيفَةُ، فَلَا يُزاد عَلَى مَا فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ".
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو -وَهُوَ ابْنُ دِينَارٍ-بِهِ (3) نَحْوَهُ. وَمِنْ طُرَق أخرَى، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، عَنْ حذيفة بن أسيد أَبِي سُرَيْحَةَ (4) الْغِفَارِيِّ بِنَحْوِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (5) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: "إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلكًا فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، نُطْفَةٌ. أيْ رَبِّ، عَلَقَةٌ (6) أَيْ رَبِّ، مُضْغَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَهَا قَالَ: يَا رب، ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد؟ فَمَا الرِّزْقُ وَالْأَجَلُ؟ " قَالَ: "فَذَلِكَ يُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ (7) .
وَقَوْلُهُ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} يَعْنِي: حِينَ ذَكَرَ قُدْرَتَهُ وَلُطْفَهُ فِي خَلْقِ هَذِهِ النُّطْفَةِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَشَكْلٍ إِلَى شَكْلٍ، حَتَّى تَصَوَّرَتْ إِلَى مَا صَارَتْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِنْسَانِ السَّوِيّ الْكَامِلِ الْخَلْقِ، قَالَ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ -يَعْنِي: ابْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: وَافَقْتُ رَبِّي وَوَافَقَنِي فِي أَرْبَعٍ: نَزَلَتْ هذه الآية: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} الْآيَةَ، قُلْتُ (8) أَنَا: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. فَنَزَلَتْ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}
__________
(1) المسند (1/465) .
(2) في ف: "ويكتبان".
(3) المسند (4/6) وصحيح مسلم برقم (2644) .
(4) في أ: "سريح".
(5) صحيح مسلم برقم (2645) .
(6) في ف: "فحلقه".
(7) صحيح البخاري برقم (318) وصحيح مسلم برقم (2646) .
(8) في ف، أ: "الآية، فلما نزلت قلت".

الصفحة 468