كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

الْإِلَهِيَّةِ، فَعَبَدُوا غَيْرَهُ مَعَهُ، مَعَ اعْتِرَافِهِمْ أَنَّ الَّذِينَ عَبَدُوهُمْ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا، وَلَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا، وَلَا يَسْتَبِدُّونَ بِشَيْءٍ، بَلِ اعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَهُمْ إِلَيْهِ زُلْفَى: {مَا (1) نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزُّمَرِ: 3] ، فَقَالَ: {قُلْ لِمَنِ الأرْضُ وَمَنْ فِيهَا} أَيْ: مَنْ مَالِكُهَا الَّذِي خَلَقَهَا وَمَنْ (2) فِيهَا مِنَ الْحَيَوَاناتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالثَّمَرَاتِ، وَسَائِرِ صُنُوفِ الْمَخْلُوقَاتِ {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} أَيْ: فَيَعْتَرِفُونَ لَكَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ (3) {قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [أَيْ: لَا تَذَكَّرُونَ] (4) أَنَّهُ لَا تَنْبَغِي (5) الْعِبَادَةُ إِلَّا لِلْخَالِقِ الرَّازِقِ (6) لَا لِغَيْرِهِ.
{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} أَيْ: مَنْ هُوَ خَالِقُ الْعَالَمِ العُلْوي بِمَا فِيهِ مِنَ الْكَوَاكِبِ النَّيِّرَاتِ، وَالْمَلَائِكَةِ الْخَاضِعِينَ لَهُ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ مِنْهَا وَالْجِهَاتِ، وَمَنْ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، يَعْنِي: الَّذِي هُوَ سَقْفُ الْمَخْلُوقَاتِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّ (7) عَرْشَهُ عَلَى سمواته هَكَذَا" وَأَشَارَ بِيَدِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ (8) .
وَفِي الْحَدِيثِ الآخر: "ما السموات السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، وَإِنَّ الْكُرْسِيَّ بِمَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرْشِ كَتِلْكَ الْحَلْقَةِ فِي تِلْكَ الْفَلَاةِ" (9) .
وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ مَسَافَةَ مَا بَيْنَ قُطْرَيِ الْعَرْشِ مِنْ جَانبٍ إِلَى جَانبٍ مَسِيرَةَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، [وَارْتِفَاعُهُ عَنِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ مَسِيرَةَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ] (10) .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ عَرْشًا لِارْتِفَاعِهِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ عن كعب الأحبار: إن السموات وَالْأَرْضَ فِي الْعَرْشِ، كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض.
وقال مجاهد: ما السموات وَالْأَرْضُ فِي الْعَرْشِ إِلَّا كَحَلَقَةٍ فِي أَرْضِ فَلاة.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا (11) سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهني (12) ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِين، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن ابن عباس قال: الْعَرْشُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ قَدْرَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (13) .
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْعَرْشُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ.
وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} يَعْنِي: الْكَبِيرَ: وَقَالَ فِي آخر السورة: {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}
__________
(1) في أ: "إنما" وهو خطأ
(2) في ف، أ: "وما".
(3) في ف، أ: "كذلك".
(4) زيادة من ف، أ.
(5) في أ: "يليق".
(6) في ف: "الرزاق".
(7) في ف: "لأن".
(8) سنن أبي داود برقم (4726) عن حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه.
(9) رواه الطبري في تفسيره (5/399) من طريق ابن وهب عن ابن زيد عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وقد سبق من رواية ابن مردوية عند تفسير الآية: 2 من سورة الرعد.
(10) زيادة من أ.
(11) في أ: "عن".
(12) في أ: "الذهبي".
(13) ورواه ابن أبي شيبة في صفة العرش (ق 114) والحاكم في المستدرك (2/282) من طريق الضحاك بن مخلد عن سفيان عن عمار الذهني بِهِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: "صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ولم يخرجاه" وأقره الذهبي.

الصفحة 489