كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

قَالَ العَوْفِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} قَالَ: هَذَا قَوْلُ الرَّحْمَنِ حِينَ انقَطَعَ كَلَامُهُمْ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدَة بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ أَهَّلَ جَهَنَّمَ يَدْعُونَ مَالِكًا، فَلَا يُجِيبُهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ. قَالَ: هَانَتْ دَعْوَتُهُمْ -وَاللَّهِ (1) -عَلَى مَالِكٍ وَرَبِّ مَالِكٍ. ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ فَيَقُولُونَ: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ. رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} قَالَ: فَيَسْكُتُ عَنْهُمْ قَدْرَ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يُرَدُّ عَلَيْهِمُ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} قَالَ: وَاللَّهِ مَا نَبَس (2) الْقَوْمُ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا هُوَ إِلَّا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. قَالَ: فَشُبِّهَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ، أَوَّلُهَا زَفِيرٌ وَآخِرُهَا شَهِيقٌ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَان، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمة بْنِ كُهَيْل، حَدَّثَنَا أَبُو الزَّعْرَاء قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَلَّا يُخْرِجَ مِنْهُمْ أَحَدًا -يَعْنِي: مِنْ جَهَنَّمَ-غَيَّرَ وُجُوهَهُمْ وَأَلْوَانَهُمْ، فَيَجِيءُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَشْفَعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ (3) . فَيَقُولُ: مَنْ عَرَفَ أَحَدًا فَلْيُخْرِجْهُ. فَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَنْظُرُ فَلَا يَعْرِفُ أَحَدًا فَيَقُولُ: أَنَا فُلَانٌ. فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ.
، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} . وَإِذَا (4) قَالَ ذَلِكَ، أُطْبِقَتْ عَلَيْهِمْ فَلَا (5) يَخْرُجُ مِنْهُمْ بَشَر.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُذَكِّرًا لَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَمَا كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلِيَائِهِ، فَقَالَ: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} أَيْ: فَسَخِرْتُمْ مِنْهُمْ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّايَ وَتَضَرُّعِهِمْ إِلَيَّ، {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} أَيْ: حَمَلَكُمْ بُغْضُهُمْ عَلَى أَنْ نَسِيتم مُعَامَلَتِي {وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} أَيْ: مِنْ صَنِيعِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [الْمُطَفِّفِينَ: 29، 30] أَيْ: يَلْمُزُونَهُمُ اسْتِهْزَاءً.
ثُمَّ أَخْبَرَ عَمَّا جَازَى بِهِ أَوْلِيَاءَهُ وَعِبَادَهُ الصَّالِحِينَ، فَقَالَ: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا} أَيْ: عَلَى أَذَاكُمْ لَهُمْ وَاسْتِهْزَائِكُمْ مِنْهُمْ، {أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} أَيْ: جَعَلْتُهُمْ هُمُ الْفَائِزِينَ (6) بِالسَّعَادَةِ وَالسَّلَامَةِ والجنة، الناجين (7) من النار.
__________
(1) في ف، أ: "والله دعوتهم".
(2) في ف: "فوالله ما يبس".
(3) في ف، أ: "يا رب يا رب".
(4) في ف، أ: "فإذا".
(5) في ف، أ: "فلم".
(6) في ف: "الفائزون".
(7) في ف: "الناجون".

الصفحة 499