كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وِلْدَانِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ سَمُرَة أَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ (1) رَأَى مَعَ إِبْرَاهِيمَ أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ وَبِمَا تَقَدَّمَ فِي (2) رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ حَسْنَاءَ (3) عَنْ عَمِّهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ". وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ أَحَادِيثُ الِامْتِحَانِ أَخَصُّ مِنْهُ. فَمَنْ عَلِمَ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] (4) مِنْهُ أَنَّهُ يُطِيعُ جَعَلَ (5) رُوحَهُ فِي الْبَرْزَخِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَأَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْفِطْرَةِ، وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ فِي النَّارِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الِامْتِحَانِ، وَنَقَلَهُ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ [وَالْجَمَاعَةِ] (6) ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ مَنْ يَجْعَلُهُمْ مُسْتَقِلِّينَ فِيهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُمْ خَدَمًا لَهُمْ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ (7) وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ فِي النَّارِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا عُتْبَةُ بْنُ ضَمْرَةَ (8) بْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبَى قَيْسٍ مَوْلَى غُطَيْف، أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَرَارِيِّ الْكُفَّارِ فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُمْ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِلَا عَمَلٍ؟ فَقَالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ" (9) .
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَيْسٍ سَمِعْتُ، عَائِشَةَ تَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ (10) : "هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ". قُلْتُ: فَذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: "هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ" قُلْتُ: بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ" (11) .
وَرَوَاهُ [الْإِمَامُ] (12) أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ أَبِي عَقِيل يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ -وَهُوَ مَتْرُوكٌ-عَنْ مَوْلَاتِهِ بُهَيَّة عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا ذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْفَالَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: "إِنْ شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ" (13) .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلِ بْنِ (14) غَزْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَلَدَيْنِ لَهَا مَاتَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: "هُمَا فِي النَّارِ". قَالَ: فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهَا [قَالَ] (15) لَوْ رَأَيْتِ مَكَانَهُمَا لَأَبْغَضْتِهِمَا". قَالَتْ: فَوَلَدِي مِنْكَ؟ قَالَ: [قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ". قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله
__________
(1) في ف، أ: "صلى الله عليه وسلم".
(2) في ت، ف: "من".
(3) في ت، ف، أ: "خنساء".
(4) زيادة من ف، أ.
(5) في ت، ف، أ: "جعل الله".
(6) زيادة من ف، أ.
(7) سبق الحديث والكلام عليه عند هذه الآية.
(8) في ف: "حمزة".
(9) المسند (6/84) .
(10) في ف، أ: "فقال".
(11) سنن أبي داود برقم (4712) .
(12) زيادة من ف، أ.
(13) المسند (6/208) .
(14) في ت: "عن".
(15) زيادة من ف، أ، والمسند.

الصفحة 59