كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

وَمُكَذِّبِهِمْ، الْبَصِيرُ بِهِمْ فَيُعْطِي كُلًّا مَا يَسْتَحِقُّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِسْرَاءِ
رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ -هُوَ ابْنُ بِلَالٍ-عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللِّهِ (1) قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ: إِنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيَهُمُّ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ -وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ-فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، بِيَدِهِ حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مَنْ ذَهَبٍ مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ -يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ-ثُمَّ أَطْبَقَهُ. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِي مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا بِهِ، يَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ لَا يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمهم.
وَوَجَدَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فسلِّم عَلَيْهِ، فسلَّم عَلَيْهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِابْنِي، نِعْمَ (2) الِابْنُ أَنْتَ، فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهْرَيْنِ يَطَّرِدَانِ فَقَالَ: "مَا هَذَانِ النَّهْرَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا، ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي (3) السَّمَاءِ، فَإِذَا هُوَ بِنَهْرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ أذْفر فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي خَبَّأَ لَكَ رَبُّكَ.
ثُمَّ عُرِجَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ الْأُولَى: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا (4) وَأَهْلًا وَسَهْلًا.
ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. كُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ، قَدْ وَعَيْتُ (5) مِنْهُمْ إِدْرِيسَ فِي الثَّانِيَةِ وَهَارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وَآخَرَ فِي الْخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلَامِ اللَّهِ. فَقَالَ مُوسَى: "رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ" (6) ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ، بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهَى، وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى، حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أو أدنى، فأوحى الله إليه فيما
__________
(1) في ف: "عبد الله يعني ابن أبي نمر أنه".
(2) في ف: "فنعم".
(3) في ت، ف: "إلى".
(4) في ف: "مرحبا به".
(5) في أ: "عينهم".
(6) في ت: "أنه عليَّ أحد".

الصفحة 6