كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

يُوحِي: خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. ثُمَّ هُبِطَ بِهِ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟ " قَالَ: "عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ" قَالَ:" إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ". فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ: أَنْ نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ. فَعَلَا (1) بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ تَعَالَى، فَقَالَ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ: "يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَنَّا، فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا" فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ. ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الْخَمْسِ فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمِي عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا، فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ" كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَقَالَ: "يَا رَبِّ، إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ (2) وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا" فَقَالَ: الْجَبَّارُ: "يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: "لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ" قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ: "كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهِيَ خُمْسٌ عَلَيْكَ"، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: "كَيْفَ فَعَلْتَ؟ " فَقَالَ: "خَفَّفَ عَنَّا، أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا" قَالَ: مُوسَى: "قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مُوسَى قَدْ -وَاللَّهِ-اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ" (3) قَالَ: "فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ"، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
هَكَذَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "كِتَابِ التَّوْحِيدِ" (4) ، وَرَوَاهُ فِي "صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"،عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْس عَنْ أَخِيهِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ (5) .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ سُلَيْمَانَ (6) قَالَ: "فَزَادَ وَنَقَصَ، وَقَدَّمَ وَأَخَّرَ" (7) .
وَهُوَ كَمَا قَالَهُ (8) مُسْلِمٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِر اضْطَرَبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَسَاءَ حِفْظُهُ وَلَمْ يَضْبُطْهُ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ هَذَا مَنَامًا تَوْطِئَةً لِمَا وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[وَقَالَ] (9) الْبَيْهَقِيُّ: فِي (10) حَدِيثِ "شَرِيكٍ" زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا، عَلَى مَذْهَبِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ، يَعْنِي قَوْلَهُ: "ثُمَّ دَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" قَالَ: وَقَوْلُ عَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَمْلِهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ على رؤيته جبريل -أصح (11) .
__________
(1) في ف: "ثم علا".
(2) في ف، أ: "وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم".
(3) في ف: "عليه".
(4) صحيح البخاري برقم (7517) .
(5) صحيح البخاري برقم (3570) .
(6) في ف، أ: "سليمان به".
(7) صحيح مسلم برقم (162) .
(8) في أ: "قال".
(9) زيادة من ت.
(10) في ف، أ: "وفي".
(11) دلائل النبوة للبيهقي (2/385) .

الصفحة 7