كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

يُجَازَى فَاعِلُ ذَلِكَ بِنَقِيضِ (1) قَصْدِهِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَعَلَيْهِ بُرْدَان يَتَبَخْتَرُ فِيهِمَا، إِذْ خُسِف بِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ (2) فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (3) .
وَكَذَلِكَ (4) أَخْبَرَ اللَّهُ [تَعَالَى] (5) عَنْ قَارُونَ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَسَفَ بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ، وَفِي الْحَدِيثِ: "مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ حَقِيرٌ وَعِنْدَ النَّاسِ كَبِيرٌ، وَمَنِ اسْتَكْبَرَ وَضَعَهُ اللَّهُ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ وَعِنْدَ النَّاسِ حَقِيرٌ، حَتَّى لَهُوَ أَبْغَضُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْكَلْبِ أَوِ الْخِنْزِيرِ" (6) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "الْخُمُولِ وَالتَّوَاضُعِ": حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدِ، بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ الْحَسَنِ، إِذْ مَر عَلَيْهِ ابْنُ الْأَهْتَمِ (7) -يُرِيدُ الْمَنْصُورَ -وَعَلَيْهِ جبَابُ خَزّ قَدْ نُضّد (8) بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ عَلَى سَاقِهِ، وَانْفَرَجَ عَنْهَا قَبَاؤُهُ، وَهُوَ يَمْشِي وَيَتَبَخْتَرُ، إِذْ نَظَرَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ نَظْرَةً فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ، شَامِخٌ بِأَنْفِهِ، ثَانٍ عِطْفَهُ، مُصَعِّرٌ خَدَّهُ، يَنْظُرُ فِي عِطْفَيْهِ، أَيُّ حُمَيْق يَنْظُرُ فِي عِطْفِهِ فِي نِعَم غَيْرِ مَشْكُورَةٍ وَلَا مَذْكُورَةٍ، غَيْرِ الْمَأْخُوذِ بِأَمْرِ اللَّهِ فِيهَا، وَلَا الْمُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ مِنْهَا! وَاللَّهِ إِنْ يَمْشِي أَحَدُهُمْ طَبِيعَتَهُ يَتَلَجْلَجُ تَلَجْلُجَ الْمَجْنُونِ، فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ نِعْمَةٌ، وَلِلشَّيْطَانِ بِهِ لَعْنَةٌ، فَسَمِعَهُ ابْنُ الْأَهْتَمِ (9) فَرَجَعَ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَا تَعْتَذِرْ إِلَيَّ، وَتُبْ إِلَى رَبِّكَ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} (10) .
وَرَأَى الْبَخْتَرِيُّ العابدُ رَجُلًا مِنْ آلِ عَلِيٍّ يَمْشِي وَهُوَ يخطِر فِي مِشْيَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، إِنَّ الَّذِي أَكْرَمَكَ بِهِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ مِشْيَتَهُ! قَالَ: فَتَرَكَهَا الرَّجُلُ بَعْدُ.
وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَخْطِرُ فِي مِشْيَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ لِلشَّيَاطِينِ إِخْوَانًا.
وَقَالَ: خَالِدُ بْنُ مَعْدان: إِيَّاكُمْ والخَطْر، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَدُه مِنْ سَائِرِ (11) جَسَدِهِ. رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ (12) يَحْيَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ يُحَنَّس قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مشت أمتي المطيطاء، وخدمتهم فارس والروم،
__________
(1) في ت: "ببعض".
(2) في ت: "يتخلل".
(3) صحيح البخاري برقم (5789) وصحيح مسلم برقم (2088) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(4) في أ: "ولذلك".
(5) زيادة من ف.
(6) رواه أبو نعيم في الحلية (7/129) والخطيب في تاريخ بغداد (2/110) من طريق سعيد بن سلام، عن الثوري عن الأعمش، عن إبراهيم بن عابس، عن ربيعة، عن عمر بن الخطاب بنحوه وقال: "غريب من حديث الثوري، تفرد به سعيد بن سلام، وهو كذاب".
(7) في هـ، ت، ف: "ابن الأهيم"، والصواب ما أثبتناه من الخمول والتواضع لابن أبي الدنيا.
(8) في ت، ف: "فضل".
(9) في هـ ت، ف: "ابن الأهيم"، والصواب ما أثبتناه من الخمول والتواضع.
(10) الخمول والتواضع برقم (237) .
(11) في ت، ف، أ: "من دون سائر".
(12) في ف: "بن".

الصفحة 76