كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

سُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ" (1) .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} أُمَّا مَنْ قَرَأَ "سَيِّئَةٌ" أَيْ: فَاحِشَةٌ. فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُ: كُلُّ هَذَا الَّذِي نَهَيْنَا عَنْهُ، مِنْ قَوْلِهِ: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} إِلَى هَاهُنَا، فَهُوَ سَيِّئَةٌ مُؤَاخَذٌ عَلَيْهَا {مَكْرُوهًا} عِنْدَ اللَّهِ، لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ.
وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ {سَيِّئُهُ} عَلَى الْإِضَافَةِ فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُ: كُلُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} إِلَى هَاهُنَا فَسَيِّئُهُ، أَيْ: فَقَبِيحُهُ مَكْرُوهٌ (2) عِنْدَ اللَّهِ، هَكَذَا وجَّه ذَلِكَ ابن جرير، رحمه الله (3) .
__________
(1) الخمول والتواضع برقم (249) وهو مرسل، وجاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، رواه الترمذي في السنن برقم (2261) من طريق زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عنه، ولفظ آخره "سلط الله شرارها على خيارها" وقال الترمذي: "هذا حديث غريب"
(2) في ت، ف، أ: "قبيحه مكروها".
(3) تفسير الطبري (15/63) .
{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) } .
يَقُولُ تَعَالَى: هَذَا الَّذِي أَمَرْنَاكَ بِهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، وَنَهَيْنَاكَ عَنْهُ مِنَ الصِّفَاتِ الرَّذِيلَةِ، مِمَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ لِتَأْمُرَ بِهِ النَّاسَ.
{وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا} أَيْ: تَلُومُكَ نَفْسُكَ [وَيَلُومُكَ اللَّهُ] (1) وَالْخَلْقُ. {مَدْحُورًا} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: مَطْرُودًا.
وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْخِطَابِ الْأُمَّةُ بِوَاسِطَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَعْصُومٌ.
{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا (40) } .
يَقُولُ تَعَالَى رَادًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الْكَاذِبِينَ (2) الزَّاعِمِينَ -عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ -أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بناتُ اللَّهِ، فَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا، ثُمَّ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ، ثُمَّ عَبَدُوهُمْ فَأَخْطَئُوا فِي كُلٍّ مِنَ الْمَقَامَاتِ الثَّلَاثِ (3) خَطَأً عَظِيمًا، قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} أَيْ: خَصَّصَكُمْ بِالذُّكُورِ {وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا} أَيْ: اخْتَارَ لِنَفْسِهِ عَلَى زَعْمِكُمُ الْبَنَاتِ؟ ثُمَّ شَدَّدَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا} أَيْ: فِي زَعْمِكُمْ لِلَّهِ وَلَدًا، ثُمَّ جعْلكم وَلَدَهُ الْإِنَاثَ الَّتِي تَأْنَفُونَ (4) أَنْ يَكُنّ لَكُمْ، وَرُبَّمَا قتلتموهُن بِالْوَأْدِ، فَتِلْكَ إِذًا قسْمة ضِيزَى. وَقَالَ [اللَّهُ] (5) تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا* إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مَرْيَمَ: 88 -95] .
__________
(1) زيادة من ت، ف، أ.
(2) في ف: "المكذبين".
(3) في ت، ف: "الثلاث المقامات".
(4) في ت: "تألفون".
(5) زيادة من ف.

الصفحة 77