كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

مِنْ طَيَالِسَةٍ مَكْفُوفَةٌ (1) بِدِيبَاجٍ -أَوْ: مُزَوَّرَةٌ بِدِيبَاجٍ -فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يَرْفَعَ كُلَّ رَاعٍ ابْنِ رَاعٍ، وَيَضَعَ كُلَّ رَأْسٍ ابْنِ رَأْسٍ. فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا، فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ جُبَّتِهِ فَاجْتَذَبَهُ، فَقَالَ: "لَا أَرَى عَلَيْكَ ثِيَابَ مَنْ لَا يَعْقِلُ". ثُمَّ رَجَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ فَقَالَ: "إِنَّ نُوحًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، دَعَا ابْنَيْهِ (2) فَقَالَ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكُمَا الْوَصِيَّةَ: آمُرُكُمَا بِاثْنَتَيْنِ وَأَنْهَاكُمَا عَنِ اثْنَتَيْنِ: أَنْهَاكُمَا عَنِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَالْكِبْرِ، وَآمُرُكُمَا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَوُضِعَتْ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، كَانَتْ أَرْجَحَ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ والأرضِ كَانَتَا (3) حَلْقَةً، فَوُضِعَتْ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" عَلَيْهِمَا لَفَصَمَتْهُمَا أَوْ لَقَصَمَتْهُمَا. وَآمُرُكُمَا بِسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ كُلُّ شَيْءٍ" (4) .
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، أَيْضًا، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الصَّقْعَب (5) بْنِ زُهَيْرٍ، بِهِ أَطْوَلَ مِنْ هَذَا. تَفَرَّدَ بِهِ (6) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأوْدِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (7) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ نُوحٌ ابْنَهُ؟ إِنَّ نُوحًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، آمُرُكَ أَنْ تَقُولَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ"، فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْخَلْقِ وَتَسْبِيحُ الْخَلْقِ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (8) إِسْنَادُهُ فِيهِ ضَعْفٌ، فَإِنَّ الرَّبِذِيَّ (9) ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} قَالَ: الْأُسْطُوَانَةُ تُسَبِّحُ، وَالشَّجَرَةُ تُسَبِّحُ (10) -الْأُسْطُوَانَةُ: السَّارِيَةُ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ صَرِيرَ الْبَابِ تَسْبِيحُهُ، وَخَرِيرَ الْمَاءِ تَسْبِيحُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}
وَقَالَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: الطَّعَامُ يُسَبِّحُ.
وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ آيَةُ السَّجْدَةِ أَوَّلَ [سُورَةِ] (11) الْحَجِّ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا يُسَبِّحُ مَا كَانَ فِيهِ رُوحٌ. يَعْنُونَ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ نَبَاتٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ يُسَبِّحُ مِنْ شَجَرٍ (12) أَوْ شَيْءٍ فِيهِ.
__________
(1) في ت، ف: "ملفوفة".
(2) في ت: "بنيه".
(3) في ت: "كانت".
(4) المسند (2/225) .
(5) في ف: "الصعقب".
(6) المسند (2/169) .
(7) في ف: "عنهما".
(8) تفسير الطبري (15/65) .
(9) في ت: "الزيدي"، وفي ف: "الأودي".
(10) في ت، ف: "والشجر يسبح".
(11) زيادة من ف.
(12) في ف: "من شجرة".

الصفحة 80