كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

الْأَحْسَنَ وَالْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ؛ فَإِنَّهُ إِذْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمْ، وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ إِلَى الْفِعَالِ، وَوَقَعَ الشَّرُّ وَالْمُخَاصَمَةُ وَالْمُقَاتَلَةُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لِآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ امْتَنَعَ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ، فَعَدَاوَتُهُ ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ؛ وَلِهَذَا نَهَى أَنْ يُشِيرَ الرَّجُلُ إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ فِي يَدِهِ، أَيْ: فَرُبَّمَا أَصَابَهُ بِهَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُشِيرَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ أَنْ يَنْزَعَ فِي يَدِهِ، فَيَقَعَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ نَارٍ (1) .
أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (2) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مَنْ بَنِي سَلِيط قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أزْفَلَة مِنَ النَّاسِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -[قَالَ حَمَّادٌ: وَقَالَ بِيَدِهِ إلى صدره -ماتواد رَجُلَانِ فِي اللَّهِ فتفرَّق بَيْنَهُمَا إِلَّا بِحَدَثٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا] (3) وَالْمُحْدِثُ شَر، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ" (4) .
{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (55) } .
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْكُمُ الْهِدَايَةَ وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ {إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} بِأَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِطَاعَتِهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ {أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ} [يَا مُحَمَّدُ] (5) {عَلَيْهِمْ وَكِيلا} أَيْ: إِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ نَذِيرًا، فَمَنْ أَطَاعَكَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَاكَ دَخَلَ النَّارَ.
وَقَوْلُهُ: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أَيْ: بِمَرَاتِبِهِمْ فِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ} ، كَمَا قَالَ: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [الْبَقَرَةِ: 253] .
وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا [ثَبَتَ] (6) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ" (7) ؛ فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ التَّفْضِيلُ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَالْعَصَبِيَّةِ (8) ، لَا بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ، [فَإِنَّهُ إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ] (9) عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الرُّسُلَ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ أُولِي الْعَزْمِ مِنْهُمْ أَفْضَلُهُمْ، وَهُمُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورُونَ نَصًّا (10) فِي آيَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7]
__________
(1) في ف، أ: "النار".
(2) المسند (2/317) وصحيح البخاري برقم (7073) وصحيح مسلم برقم (2617) .
(3) زيادة من ف، أ، والمسند.
(4) المسند (5/71) .
(5) زيادة من ف، أ.
(6) زيادة من ف.
(7) صحيح البخاري برقم (3414) وصحيح مسلم برقم (2373) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(8) في ت: "والمعصية".
(9) زيادة من ف، وفي ت: "فإنه إذا كان".
(10) في ت: "قصا".

الصفحة 87