كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 5)

، وَفِي الشُّورَى [فِي قَوْلِهِ] (1) : {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشُّورَى: 13] . وَلَا خِلَافَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُهُمْ، ثُمَّ بَعْدَهُ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ مُوسَى عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا بِدَلَائِلِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَقَوْلُهُ: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} تَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِهِ وَشَرَفِهِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمر، عَنْ هَمَّام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خُفف عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنَ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ لتُسْرج، فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرغ". يَعْنِي الْقُرْآنَ (2) .
{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) } .
يَقُولُ تَعَالَى: {قُلِ} يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ: {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، فَارْغُبُوا إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ " لَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ" أَيْ: بِالْكُلِّيَّةِ، {وَلا تَحْوِيلا} أَيْ: أَنْ يُحَوِّلُوهُ إِلَى غَيْرِكُمْ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.
قَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلا} قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يَقُولُونَ: نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ وَالْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا، وَهُمُ الَّذِينَ يَدْعُونَ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَالْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا.
وَقَوْلُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} . رَوَى الْبُخَارِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْران الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمر، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} قَالَ: نَاسٌ مِنَ الْجِنِّ، كَانُوا يُعْبَدُونَ، فَأَسْلَمُوا. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْإِنْسِ، يَعْبُدُونَ نَاسًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنُّ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِدِينِهِمْ (3) .
وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ مَعْبَدِ (4) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزِّمَّاني (5) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ، كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الجِنِّيُّون، وَالْإِنْسُ الَّذِينَ كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم،
__________
(1) زيادة من ف.
(2) صحيح البخاري برقم (4713) .
(3) صحيح البخاري برقم (4714، 4715) .
(4) في ت: "سعيد".
(5) في ت، ف: "الرماني".

الصفحة 88