كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 6)
فَأَرْسَلُوا إِلَيْهَا، فَجَاءَتْ، فَتَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا، وَذَكَّرَهُمَا وَأَخْبَرَهُمَا أَنَّ عذابَ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا. فَقَالَ هِلَالٌ: وَاللَّهِ -يَا رَسُولَ اللَّهِ -لَقَدْ صَدَقتُ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: كَذَبَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَاعِنُوا بَيْنَهُمَا". فَقِيلَ لِهِلَالٍ: اشْهَدْ. فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنَ الصَّادِقِينَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْخَامِسَةِ قِيلَ لَهُ: يَا هِلَالُ، اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أهونُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الموجبةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْكَ الْعَذَابَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، كَمَا لَمْ يَجْلِدْنِي عَلَيْهَا. فَشَهِدَ فِي الْخَامِسَةِ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. ثُمَّ قِيلَ [لَهَا: اشْهَدِي أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنَ الْكَاذِبِينَ، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قِيلَ] (1) لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وإن هذه الموجبةُ التي توجب عليك العذاب. فَتَلَكَّأَتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي فَشَهِدَتْ فِي الْخَامِسَةِ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَفَرَّقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَلَّا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَقَضَى أَلَّا [بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَا] (2) قُوتَ لَهَا، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَرَّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَا مُتَوَفى عَنْهَا. وَقَالَ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ أصَيْهِب أرَيسح حَمْش السَّاقِينَ فَهُوَ لِهِلَالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعدًا جَمَاليًّا خَدلَّج السَّاقَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، فَهُوَ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ" فَجَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جَمَالِيًّا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ".
قَالَ عِكْرِمَةُ: فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ يُدْعَى لِأُمِّهِ وَلَا يُدْعَى لِأَبٍ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ (3) بْنِ هَارُونَ، بِهِ نَحْوَهُ مُخْتَصَرًا (4) .
وَلِهَذَا الْحَدِيثِ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. فَمِنْهَا مَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّار، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنِي عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشَرِيك بْنِ سَحْماء، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (5) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدُّ فِي ظَهْرِكَ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إذا أري (6) أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا ينطلقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ". فَقَالَ هِلَالٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لِصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ (7) اللَّهُ مَا يُبرئ ظَهْرِي (8) مِنَ الْحَدِّ. فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، وَأَنْزَلَ (9) عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} ، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا، فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُ يَشْهَدُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ"؟ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوها وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجبة. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ. فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أبْصِرُوها، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أكحلَ الْعَيْنَيْنِ، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّج السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لشَرِيك بْنِ سَحْمَاءَ". فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كتاب الله، لكان لي ولها شأن".
__________
(1) زيادة من ف، أ، والمسند.
(2) زيادة من ف، أ، والمسند.
(3) في ف: "زيد".
(4) المسند (1/238) وسنن أبي داود برقم (2256) .
(5) [في ف، أ: "النبي".
(6) في ف، أ: "رأى".
(7) في ف: "ولينزل".
(8) في ف: "ما يطهرني".
(9) في ف: "فأنزل".
الصفحة 16
600