كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 6)

لِهَؤُلَاءِ تَوْبَةً وَلَمْ يَجْعَلْ لِمَنْ قَذَفَ أُولَئِكَ تَوْبَةً، قَالَ: فَهَمَّ بعضُ الْقَوْمِ أَنْ يَقُومَ إِلَيْهِ فَيُقَبِّلَ رَأْسَهُ، مِنْ حُسْنِ مَا فسَّر بِهِ سُورَةَ النُّورِ (1) .
فَقَوْلُهُ: "وَهِيَ مُبْهَمَةٌ"، أَيْ: عَامَّةٌ فِي تَحْرِيمِ قَذْفِ كُلِّ مُحْصَنَةٍ، ولَعْنته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَهَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هَذَا فِي عَائِشَةَ، وَمَنْ صَنَعَ مِثْلَ هَذَا أَيْضًا الْيَوْمَ فِي الْمُسْلِمَاتِ، فَلَهُ مَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنْ عَائِشَةُ كَانَتْ إمامَ ذَلِكَ.
وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ عُمُومَهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَيُعَضِّدُ الْعُمُومَ (2) مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ -حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الغَيث (3) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، بِهِ (4) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرو بْنِ خَالِدٍ الحَذَّاء الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، (ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو شُعَيب الْحَرَّانَيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيب، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَة بْنِ زُفَر، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ يَهْدِمُ عَمَلَ مِائَةِ سَنَةٍ" (5) .
وَقَوْلُهُ {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ مُطَرِّف، عَنِ المِنْهَال، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّهُمْ -يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ -إِذَا رَأوا أَنَّهُ لَا يدخلُ الجنةَ إِلَّا أَهْلُ الصَّلَاةِ، قَالُوا: تَعَالَوْا حَتَّى نَجْحَدَ. فَيَجْحَدُونَ فَيَخْتِمُ [اللَّهُ] (6) عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَتَشْهَدُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ، وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، عُرف الْكَافِرُ بِعَمَلِهِ، فَيَجْحَدُ وَيُخَاصِمُ، فَيُقَالُ لَهُ: هَؤُلَاءِ جِيرَانُكَ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ. فَيَقُولُ: كَذَبُوا. فَيَقُولُ: أَهْلُكَ وَعَشِيرَتُكَ. فَيَقُولُ: كَذَبُوا، فَيَقُولُ: احْلِفُوا. فَيَحْلِفُونَ، ثُمَّ يُصمِتهم اللَّهُ، فَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَيْدِيهِمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ النَّارَ" (7) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي شيبة الكوفي، حدثنا
__________
(1) تفسير الطبري (18/83) .
(2) في ف، أ: "الصحيح".
(3) في أ: "المغيب".
(4) صحيح البخاري برقم (2766) وصحيح مسلم برقم (89) .
(5) المعجم الكبير للطبراني (3/196) وقال الهيثمي في المجمع (6/279) : "وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقد يحسن حديثه، وبقية رجاله رجال الصحيح".
(6) زيادة من ف، أ.
(7) تفسير الطبري (18/105) ورواه أبو يعلى في مسنده برقم (1392) من طريق ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ به، ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.

الصفحة 33