كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 6)

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى دَاوُدَ، عَطَفَ بِذِكْرِ مَا أَعْطَى ابْنَهُ سُلَيْمَانَ (1) ، مِنْ تَسْخِيرِ الرِّيحِ لَهُ تَحْمِلُ بِسَاطَهُ، غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ يَغْدُو عَلَى بِسَاطِهِ مِنْ دِمَشْقَ فَيَنْزِلُ بِإِصْطَخَرَ يَتَغَذَّى (2) بِهَا، وَيَذْهَبُ رَائِحًا مِنْ إِصْطَخَرَ فَيَبِيتُ بِكَابُلَ، وَبَيْنَ دِمَشْقَ وَإِصْطَخَرَ شَهْرٌ كَامِلٌ لِلْمُسْرِعِ، وَبَيْنَ إِصْطَخَرَ وَكَابُلَ شَهْرٌ كَامِلٌ لِلْمُسْرِعِ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَسَلْنَا لَهُ (3) عَيْنَ الْقِطْرِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَمَالِكٌ عن زيد بن أسلم، و (4) عبد الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: الْقِطْرُ: النُّحَاسُ. قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ، فَكُلُّ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لِسُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَ السُّدِّيُّ: وَإِنَّمَا أُسِيلَتْ لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} أَيْ: وَسَخَّرْنَا لَهُ الْجِنَّ يَعْمَلُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ اللَّهِ، أَيْ: بِقَدَرِهِ (5) ، وَتَسْخِيرِهِ لَهُمْ بِمَشِيئَتِهِ مَا يَشَاءُ مِنَ الْبِنَايَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. {وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا} أَيْ: ومَنْ يَعْدِلْ وَيَخْرُجُ مِنْهُمْ عَنِ الطَّاعَةِ {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} وَهُوَ الْحَرِيقُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَير (6) ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْجِنُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ، وَصِنْفٌ يَحِلُّونَ وَيَظْعُنُونَ". رَفْعُهُ غَرِيبٌ جِدًّا. (7)
وَقَالَ (8) أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَرْمَلة، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي بَكْرُ (9) بْنُ مُضَر، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَنْعُمَ أَنَّهُ قَالَ: الْجِنُّ ثَلَاثَةٌ: صِنْفٌ لَهُمُ الثَّوَابُ وَعَلَيْهِمُ الْعِقَابُ، وَصِنْفٌ طَيَّارُونَ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ.
قَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ: وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَّ الْإِنْسَ ثَلَاثَةٌ (10) : صِنْفٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ بِظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَصِنْفٌ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا. وَصِنْفٌ فِي صُوَر النَّاسِ عَلَى قُلُوبِ الشَّيَاطِينِ.
__________
(1) في ت، أ: "ما أعطى ابنه سليمان بن داود" وفي س: "ما أعطى ابنه سليمان".
(2) في ت: "فيتغذى".
(3) في ت: "واسالنا"
(4) في ت: "بن".
(5) في ت، أ: "أي الإذن القدرى" وفي س: "أى القدرى".
(6) في ت: "وقد روى ابن حاتم هاهنا حديثًا غريبًا بإسناده".
(7) ورواه الحاكم في المستدرك (2/456) وصححه، ووافقه الذهبي، والطبراني في الكبير (22/214) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صالح به، ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (2007) من طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح، به.
(8) في ت: "وروى".
(9) في أ: "بكير".
(10) في أ: "ثلاثة أصناف".

الصفحة 499