كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 6)
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: حَثَّ النَّاسَ عَلَيْهِ (1) مَوْلَاهُ وَغَيْرُهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ بُرَيْدة بْنُ الحُصَيب الْأَسْلَمِيُّ، وَقَتَادَةُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُعِينُوا فِي الرِّقَابِ. وَقَدْ تقدَّمَ فِي الْحَدِيثِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ": فَذَكَرَ مِنْهُمُ المكاتَب يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنِ ابْنِ شَبِيب، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ؛ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ، يُكَنَّى أَبَا أُمَيَّةَ، فَجَاءَ بِنَجْمِهِ حِينَ حُلَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ، اذْهَبْ فَاسْتَعِنْ بِهِ فِي مُكَاتَبَتِكَ. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ تركتَه حَتَّى يَكُونَ مِنْ آخِرِ نَجْمٍ؟ قَالَ: أَخَافُ أَلَّا أُدْرِكَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَرَأَ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ (2) أَوَّلَ نَجْمٍ أُدِّيَ فِي الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عنبسَةَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا كَاتَبَ مكاتَبه لَمْ يَضَعْ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ أَوَّلِ نُجُومِهِ، مَخَافَةَ أَنْ يَعْجَزَ فَتَرْجِعَ إِلَيْهِ صَدَقَتُهُ. وَلَكِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ مُكَاتَبَتِهِ، وَضَعَ عَنْهُ مَا أَحَبَّ (3) .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: يَعْنِي: ضَعُوا عَنْهُمْ مِنْ مُكَاتَبَتِهِمْ. وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّة، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الجَزَريّ، وَالسُّدِّيُّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} : كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يَدَعَ الرَّجُلُ لمكاتَبه طَائِفَةً مِنْ مُكَاتَبَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُنْدَبٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رُبْعُ الْكِتَابَةِ" (4) .
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَفْعُهُ مُنْكَرٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ (5) .
وَقَوْلُهُ: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الْآيَةَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَمَةٌ، أَرْسَلَهَا تَزْنِي، وَجَعَلَ عَلَيْهَا ضَرِيبَةً يَأْخُذُهَا مِنْهَا كُلَّ وَقْتٍ. فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ، نَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ (6) عَنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ -فِيمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ -فِي شَأْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ [الْمُنَافِقِ] (7) فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ إِمَاءٌ، فَكَانَ يُكْرِهْهُنَّ عَلَى البِغاء طَلَبًا لخَراجهن، وَرَغْبَةً فِي أَوْلَادِهِنَّ، وَرِئَاسَةً مِنْهُ فِيمَا يَزْعُمُ [قبحه الله ولعنه] (8)
__________
(1) في ف، أ: "على".
(2) في ف، أ: "فكان".
(3) تفسير الطبري (18/101) .
(4) ورواه عبد الرزاق في المصنف برقم (15589) من طريق ابن جريج، به. وقال: "قال ابن جريج: وأخبرني غير واحد، عن عطاء بن السائب أنه كان يحدث بهذا الحديث، لا يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم".
(5) ورواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (15590) من طريق معمر، عَنْ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي، به.
(6) في ف، أ: "المؤمنين".
(7) زيادة من ف، أ.
(8) زيادة من ف، أ.
الصفحة 54