كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 6)
قَالَ (1) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ غَيْلَانَ أَنَّهُ سَمِعَ دَرَّاجا أَبَا السَّمْحِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى (2) إِذَا رَضِيَ عَنِ الْعَبْدِ أَثْنَى عَلَيْهِ سَبْعةَ (3) أَصْنَافٍ مِنَ الْخَيْرِ لَمْ يَعْمَلْهُ، وَإِذَا سَخِطَ عَلَى الْعَبْدِ أَثْنَى عَلَيْهِ سَبْعة (4) أَصْنَافٍ مِنَ الشَّرِّ لم يعمله (5) ، غريب جدا.
__________
(1) في ت: "وروى".
(2) في أ: "عز وجل".
(3) في ت، س، أ: "بسبعة".
(4) في ت، س، أ: "بسبعة".
(5) المسند (3/38) ودراج له مناكير وروايته عن أبي الهيثم ضعيفة.
{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) } .
يَقُولُ تَعَالَى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْكِتَابِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أَيْ: مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ يُصَدِّقُهَا، كَمَا شَهِدَتْ (1) لَهُ بِالتَّنْوِيهِ (2) ، وَأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
{إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} أَيْ: هُوَ خَبِيرٌ بِهِمْ، بَصِيرٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ مَا يُفَضِّلُهُ بِهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ. وَلِهَذَا فَضَّلَ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ عَلَى جَمِيعِ الْبَشَرِ، وَفَضَّلَ النَّبِيِّينَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ، وَجَعَلَ مَنْزِلَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ جَمِيعِهِمْ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) } .
يَقُولُ تَعَالَى: ثُمَّ جَعَلْنَا الْقَائِمِينَ بِالْكِتَابِ الْعَظِيمِ، الْمُصَدِّقُ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ، الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، وَهُمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ، ثُمَّ قَسَّمَهُمْ إِلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ (3) ، فَقَالَ: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} وَهُوَ: الْمُفَرِّطُ فِي فِعْلِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ، الْمُرْتَكِبُ لِبَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ. {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} وَهُوَ: الْمُؤَدِّي لِلْوَاجِبَاتِ، التَّارِكُ لِلْمُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُسْتَحَبَّاتِ، وَيَفْعَلُ بَعْضَ الْمَكْرُوهَاتِ. {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} وَهُوَ: الْفَاعِلُ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، التَّارِكُ لِلْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَبَعْضِ الْمُبَاحَاتِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ [اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا] } (4) ، قَالَ: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثهم اللَّهُ كُلَّ كِتَابٍ (5) أَنْزَلَهُ، فَظَالِمُهُمْ يُغْفَر لَهُ، وَمُقْتَصِدُهُمْ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَسَابِقُهُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ العُتْبِيّ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ السَّرْحِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنِ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ (6) ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ذات يوم: "شفاعتي لأهل الكبائر من
__________
(1) في ت، س، أ: "شهدت هي".
(2) في ت، أ: "بالنبوة".
(3) في ت: "أقسام".
(4) زيادة من ت، س.
(5) في ت: "ورثهم الله كتابا".
(6) في ت: "وروى القاسم الطبراني بسنده إلى".
الصفحة 546