كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 6)
الشَّمْسَ يُعْرَفُ بِهَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [الْبَقَرَةِ: 189] ، وَقَالَ {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} الْآيَةَ [يُونُسَ: 5] ، وَقَالَ: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 12] ، فَجَعَلَ الشَّمْسَ لَهَا ضَوْءٌ يَخُصُّهَا، وَالْقَمَرَ (1) لَهُ نُورٌ يَخُصُّهُ، وَفَاوَتَ بَيْنَ سَيْرِ هَذِهِ وَهَذَا، فَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ وَتَغْرُبُ فِي آخِرِهِ عَلَى ضَوْءٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ تَنْتَقِلُ فِي مَطَالِعِهَا وَمَغَارِبِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً، يَطُولُ بِسَبَبِ ذَلِكَ النَّهَارُ وَيَقْصُرُ اللَّيْلُ، ثُمَّ يَطُولُ اللَّيْلُ وَيَقْصُرُ النَّهَارُ، وَجَعَلَ سُلْطَانَهَا بِالنَّهَارِ، فَهِيَ كَوْكَبٌ نَهَارِيٌّ. وَأَمَّا الْقَمَرُ، فَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ، يَطْلُعُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ ضَئِيلًا قَلِيلَ النُّورِ، ثُمَّ يَزْدَادُ نُورًا فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَرْتَفِعُ (2) مَنْزِلَةً، ثُمَّ كَلَّمَا ارْتَفَعَ ازْدَادَ ضِيَاءً، وَإِنْ كَانَ مُقْتَبَسًا مِنَ الشَّمْسِ، حَتَّى يَتَكَامَلَ نُورُهُ (3) فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، ثُمَّ يَشْرَعُ فِي النَّقْصِ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ، حَتَّى يَصِيرَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ أَصْلُ العِذْق.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعُرْجُونُ الْقَدِيمُ: أَيِ الْعِذْقُ الْيَابِسُ.
يَعْنِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَصْلَ الْعُنْقُودِ مِنَ الرُّطَبِ إِذَا عَتَقَ وَيَبِسَ وَانْحَنَى، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُمَا. ثُمَّ بَعْدَ هَذَا يُبْدِيهِ اللَّهُ جَدِيدًا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الْآخَرِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ ثَلَاثِ (4) لَيَالٍ مِنَ الشَّهْرِ بِاسْمٍ بِاعْتِبَارِ الْقَمَرِ، فَيُسَمُّونَ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ "غُرَر" وَاللَّوَاتِي بَعْدَهَا "نُفَلَ"، وَاللَّوَاتِي بَعْدَهَا "تُسع"؛ لِأَنَّ أُخْرَاهُنَّ التَّاسِعَةَ، وَاللَّوَاتِي بَعْدَهَا "عُشَر"؛ لِأَنَّ أُولَاهُنَّ الْعَاشِرَةُ، وَاللَّوَاتِي بَعْدَهَا "الْبِيضَ"؛ لِأَنَّ ضَوْءَ الْقَمَرِ فِيهِنَّ إِلَى آخِرِهِنَّ، وَاللَّوَاتِي بَعْدَهُنَّ "دُرَع" جَمْعُ دَرْعاء؛ لِأَنَّ أَوَّلَهُنَّ سُود (5) ؛ لِتَأَخُّرِ الْقَمَرِ فِي أَوَّلِهِنَّ، وَمِنْهُ الشَّاةُ الدَّرْعَاءُ وَهِيَ الَّتِي رَأَسُهَا أَسْوَدُ. وَبَعْدَهُنَّ ثَلَاثٌ "ظُلم" ثُمَّ ثَلَاثٌ "حَنَادس"، وَثَلَاثٌ "دَآدِئُ" (6) وَثَلَاثٌ "مَحاق"؛ لِانْمِحَاقِ الْقَمَرِ أَوَاخِرَ الشَّهْرِ فِيهِنَّ. وَكَانَ أَبُو عُبيد (7) يُنْكِرُ التُّسع والعشَر. كَذَا قَالَ فِي كِتَابِ "غَرِيبِ الْمُصَنَّفِ".
وَقَوْلُهُ: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} : قَالَ مُجَاهِدٌ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَدٌّ لَا يَعْدُوهُ وَلَا يَقْصِرُ دُونَهُ، إِذَا جَاءَ سُلْطَانُ هَذَا ذَهَبَ هَذَا، وَإِذَا ذَهَبَ سُلْطَانُ هَذَا جَاءَ سُلْطَانُ هَذَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} قَالَ: ذَلِكَ لَيْلَةُ الْهِلَالِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِلرِّيحِ جَنَاحًا، وَإِنَّ الْقَمَرَ يَأْوِي إِلَى غِلَافٍ مِنَ الْمَاءِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي (8) صَالِحٍ: لَا يُدْرِكُ هَذَا ضَوْءَ هَذَا، ولا هذا ضوء هذا. (9)
__________
(1) في س: "وللقمر".
(2) في ت: "فترتفع".
(3) في أ: "ضوؤه".
(4) في ت: "ثلاثه" وهو خطأ.
(5) في ت، أ: "أسود".
(6) في أ: "درارى".
(7) في أ: "أبو عبيدة".
(8) في ت، س: "أبو".
(9) في س: "لا يدرك هذا ضر هذا ولا هذا ضر هذا".
الصفحة 578